22 نوفمبر، 2024

تغيير قواعد اللعبة الرئاسية لا تغيير اللاعبين

24 أيلول 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/110415

أخذتني المقابلة مع المرشح للرئاسة سليمان فرنجية إلى عالم اللغة السويسري دي سوسور، في كلامه عن المفردة اللغوية التي، ما أن تصير جزءاً من عبارة حتى تتخلى عن جزء من معناها القاموسي وتستبدله بدلالة جديدة. موقع المفردة في السياق أهم من شحنتها القاموسية. هكذا فإن لعبة الشطرنج تستمر بالقواعد ذاتها حتى لو استعضنا عن بيدق خشبي مفقود بقطعة من أحجار طاولة الزهر (النرد).

ليس بين البيدق والحجر الرئاسيين فارق نوعي. قد يمتاز فرنجية عن سواه من المرشحين التقليديين بصدقه وصراحته وعفويته وربما بمزايا أخرى، لكنه رغم هذا التمايز سيحتل الموقع ذاته وسيحمل المواصفات ذاتها وسيلعب الدور ذاته حتى لو كان ملكاً على رقعة الشطرنج.

من مزاياه الدماثة والتواضع. تحمّل مني في التسعينات، خلال لقاء على مأدبة في دارة قيصر معوض، نقداً لاذعاً لنواب الأمة الذين كان يختصرهم رئيسهم ولا يزال، ولقانون الانتخاب الذي لا يشترط مستوى علمياً وثقافياً لا لرئيس بلدية ولا حتى لنائب في البرلمان.

سمعت منه في حينه كلاماً يشبه كلامه البارحة عن العروبة والشقيقة والصداقة مع آل الأسد. كأن معيار الرئاسة الناجحة علاقة مبنية على الوفاء والإخلاص الشخصي لرؤساء الدول لا على الالتزام بأحكام الدستور والحفاظ على السيادة الوطنية.

قواعد اللعبة ذاتها مع جرعة عالية المستوى من الأخلاق تحسب لصالحه. لكن الأخلاق في السياسة كالمساعد في الكيمياء (كاتاليزور)، من دونها لا يتم التفاعل لكنها ليست هي من يصنع التفاعل. المفردات ذاتها والسياق ذاته عن المحاصصة وحقوق الطوائف وأحجام القوى والولاءات المحلية والتوازنات الإقليمية والتوافقات الدولية.

ليست المرة الأولى التي يدخل فيها السباق، لكنه مصر على آليات المنافسة ذاتها وعلى السباق مع متنافسين من الطينة ذاتها، ولا سيما كلامه تكراراً عن 8 و14، وكأن نواب الثورة لم يقدموا مبادرة تجاوزوا فيها الاصطفافات المتحدرة من زمن الوصاية. لا رغبته بترك بصمة تكفي، ولا يكفي أن يضمر، تصريحاً أو تلميحاً، نقض صورة سلفه، إذ ليس صحيحاً دوماً أن «الضد يظهر حسنه الضد»، وفي علم المنطق ليس الاختلاف كالتعارض أو كالتناقض، فلكل معادلة مقياسها ومترتباتها، لأن التنافس لم يعد سباقاً على كسب ود الأقرباء والأشقاء والأقوياء، بل على أمر آخر قد يكون على حسابهم جميعاً.

التحدي الأهم أمام المرشحين اليوم هو استعادة الدولة من مغتصبيها. والمفتاح هو السيادة، والسيادة هي سيادة القانون، على الحدود في مواجهة كل اعتداء على أرض الوطن وداخل الحدود ضد كل انتهاك للدستور، بما يضمن الفصل بين السلطات واحترام استقلالية القضاء، وتطبيق اتفاق الطائف قبل الدخول في متاهات تعديلاته الضرورية. وهو تخليص الدولة من كل المظاهر الميليشيوية المتغلغلة في اقتصادها وإداراتها وأجهزتها الأمنية، وفي التشريعات والفتاوى الدستورية؛ ومحاسبة المسؤولين عن تدمير الوطن والدولة وعن انهيار الاقتصاد والعملة الوطنية وعن تجويع الشعب اللبناني وتهجيره وقتله في مراكب الموت وتشتيته في أقطار الدنيا وعن كارثة العصر في المرفأ.

هذا كله لا يصنعه تنافس على الرئاسة بين مرشحين متحدرين من مرحلة الوصاية أو مشدودين بالحنين إليها، بل بمرشحين يبدأون السباق من المبادرة التي أطلقها نواب الثورة، ثم يستكملون المنافسة بوضع كل منهم برنامجاً وخارطة طريق لإعادة البناء.