20 أيار 2020
أصدر الحزب “الشيوعي” بياناً في نقد الخطة الحكومية من 3000 كلمة، استهله بمقدمة يؤكّد فيها أن “السلطة السياسية الحاكمة والمتنفذة باتت مكشوفة بفسادها وعاجزة عن تجديد سلطتها”، وهو يتمسّك بوجوب محاسبتها، وختمه بخلاصة رأى فيها أن “جذور الأزمة تكمن في فشل الرأسمالية وفشل النظام السياسي الطائفي”. أما متن البيان (2500) الذي يشي بأن كاتبه خبير اقتصادي، فهو تحليل نظري يبدو كأنه مقطوع الصلة بالمقدمة وبالخلاصة.
أصاب البيان في كلامه عن المحاسبة لكنه أحال الأمر إلى قوى الانتفاضة من غير أن يأخذ باقتراحاتها وحلولها. عندها المحاسبة أول الطريق إلى الاصلاح، وحجتها الدامغة أن اللصوص الذين أوقعوا الدولة في العجز وأفرغوا الخزينة من المال والمصرف المركزي من العملات الصعبة، هم الذين يتحملون مسؤولية انهيار العملة الوطنية وانهيار المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات الدولة، وهم جاهزون، بالتالي، لإفراغ الخزينة مرة ثانية وثالثة. أما في بيان الحزب فالمحاسبة مؤجلة إلى ما بعد “تثوير الانتفاضة وتعبئة كل أطياف الحركة الشعبية وقوى الانتفاضة، عبر أوسع ائتلاف سياسي وطني من أجل تغيير موازين القوى”، وهو تأجيل يستحضر طريقة النظام السوري بالعمل على تحقيق “توازن استراتيجي”.
لقد رسمت الثورة (يصر البيان على تسميتها انتفاضة) خريطة طريق للإصلاح تبدأ بإسقاط الحكومة وتشكيل أخرى بصلاحيات استثنائية تمكنها من استعادة المال المنهوب ومحاسبة ناهبيه، وسد شبابيك الهدر ومنها تهريب الطحين والنفط والعملة الصعبة من خلال المعابر الشرعية وغير الشرعية، وتمكنها من سن قانون انتخاب يجدد آليات تكوين السلطة، ومن تحقيق استقلال السلطة القضائية. غير أن البيان يتجاهل كل هذا الوضوح في برنامج الثورة، لينتقل في المتن إلى شن هجوم على الرأسمالية والقطاع المصرفي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والامبريالية والصهيونية والاستعمار، معلناً تضامنه مع الحكومة “الإبنة الشرعية للنظام السياسي الطائفي” بحسب البيان، إذا ما تعرضت لهجوم من جانب “القوى اليمينية ورأس المال المالي وهيمنة المصارف عليها، والذي يحظى بدعم أطراف خارجية وبخاصة أميركية”، متجاهلاً كون الحكومة هي العدوان بذاته على مطالب الثورة.
كما أن الثورة حققت، بالضغط الشعبي الذي لعب فيه المناضلون الشيوعيون دوراً مميزاً، ولا سيما في كفررمان والنبطية وصور، إنجازات كبرى من بينها الكشف عن فضائح طالما تستر عليها أهل السلطة، وتحديد أبواب الهدر والسرقة بدقة متناهية وبالأرقام. ستون مليار دولار في قطاع الكهرباء ولا كهرباء، أربعة ملايين طن من المشتقات النفطية المهربة سنوياً إلى سوريا منذ 2016 على الأقل، مليون ونصف المليون طن من القمح المهرب إلى سوريا، مليارات من العملة الصعبة المهربة لدعم النظام السوري وتخريب الثورة السورية. (الأرقام من دراسة نقدية للخبير الاقتصادي مروان اسكندر).
هذه الأرقام كلها صارت من البديهيات بعد أن تقاذف بها أهل النظام الفضائحي وتداولتها كل وسائل الإعلام. ومع أن البيان يؤكد وجود “أسباب عميقة للركود الاقتصادي اللبناني” تعود إلى عشر سنوات خلت، فهو يهرب إلى تحليل اقتصادي نظري يحتج فيه على أي تدخل خارجي بترسيم الحدود مع سوريا وضبطها، وكأنه بذلك يدافع عن قوى الممانعة المسؤولة أولاً وأخيراً عن انهيار الدولة والليرة والاقتصاد والأخلاق.
الحزب “الشيوعي اللبناني” ضحية عبارة لماركس عن أولية البنية التحتية جعلته حزباً اقتصادياً، وعبارة للينين عن نضال الشعوب المضطهدة ضد الاستعمار جعلته حزباً سوفياتياً، لكن له في تاريخه وتضحيات مناضليه ما يجعل وجوده في قلب الثورة، لكن ببرنامج الثورة، ضمانة لمن يحدوه الأمل بإعادة بناء الوطن والدولة.
مقالات ذات صلة
مقالة الوداع
تهافت خطاب “الشيعية السياسية”
قمة التطبيع