23 نوفمبر، 2024

ماذا لو عاد مهدي عامل حياً؟

21-5-2016

رويتُ عن حسن حمدان، مهدي عامل، في مقالة سابقة، قوله لقيادة الحزب ممازحاً، ما معناه “نهجكم في النضال وفي قيادة الحزب صحيح، لكنكم لا تعرفون لماذا هو صحيح، فأنتم تجهلون الأساس النظري الذي تبنون عليه برنامجكم السياسي، وكتاباتي هي التي ستتولى تعريفكم عليه”.

إذا صح أنه لا حزب ثورياً من غير نظرية ثورية، وهذا ما كانت تقوله الأدبيات الماركسية، فإن كتابات مهدي هي صياغة فلسفية نظرية لبرنامج حزبه ، وبالتالي فمن الطبيعي أن تنال كتاباته من غرم النقد الذي طال سياسة الحزب ما حظيت به من غنم النضال الصادق الذي خاضه مع الحزب من أجل قضايا التحرر والتقدم والاشتراكية.

مع أن مهدي تعرف على الماركسية من منابعها الأصلية، على ما قاله لمحاوره رفعت السعيد، ورواه هذا الأخير، بينما تعرف عليها سواه من تأويلاتها السوفياتية، غير أن نظريته الثورية كانت تعكس واقع الحال في ظل الدور المحوري الذي كان يلعبه الاتحاد السوفياتي في الصراع العالمي بين منظومتين. ومن سوء حظ نظريته أنه دفع حياته ثمن صرامة تفكيره قبل انهيار المنظومة الاشتراكية بسنوات قليلة، ولم يمنحه القتلة وقتاً كافياً ليقوم بقراءة نقدية لأفكاره.

القراءة النقدية تتناول المصطلحات، لأنها مفتاح البحث العلمي، لا المبادئ لأن معاييرها ذات طابع أخلاقي، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالقيم السياسية والمثل التي يستلهمها المناضلون. فهو القائل، قل لي ما مصطلحاتك أقل لك من أنت. وعلى أساس هذه القاعدة كان صارماً في الحكم على بعض المنتمين إلى الحركة التقدمية واليسارية والماركسية، قائلا عنهم انهم ينطلقون من ثنائيات دينية تشبه الكلام عن الخير والشر والجنة والنار، مع أنهم ربما كانوا صادقي الانتماء إلى حركات التغيير، لكن الصدق وحده لا يكفي، بل يلزمه وضوح في الرؤيا ودقة في تحليل الواقع، وهذا مستحيل من غير مصطلحات علمية مطابقة ومنهج سليم.

المصطلحات التي تحتاج إلى إعادة نظر هي تلك المتحدرة من القراءة السوفياتية للماركسية وللصراع العالمي. وإذا كانت ورشة النقد قد بدأت قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، فهي تسارعت وتعمقت بعده، وبات المفكرون مطالبين بتعديلها تعديلاً جذرياً أو بشحنها بمضامين جديدة. نبدأ بالترسيمة الأممية التي نصبت الاتحاد السوفياتي على رأس حلف انضوت تحت لوائه أحزاب “الطبقة العاملة” في البلدان الرأسمالية و”حركات التحرر الوطني” في العالم، في مواجهة تحالف تقوده الامبريالية والرأسمالية العالمية.  وفي ظني أن هذه الترسيمة ، بالمصطلحات الواردة فيها، هي أول مادة ستطالها قراءة مهدي النقدية ، لا من موقع التنكر للماضي، بل من موقع التمسك بالمبادئ والقيم الفلسفية الثورة التي تهتم بتغيير العالم ولا تكتفي بتفسيره.

مهدي رأى أن فكرة ” التميز والكونية في الماركسية اللينينية” تملي عليه إدخال تعديلات أو تأويلات على  الأدبيات الماركسية ، فابتكر مصطلح “نمط الانتاج الكولونيالي”، لكن هذه الإضافة لم تبدل في المعادلة السوفياتية التي اعتمدتها أحزاب الطبقة العاملة في بلدان العالم الثالث ولا حركات التحرر الوطني، لأن الحل الذي يستند إلى هذا المصطلح هو فك التبعية عن الاستعمار، أي مواجهة الرأسمالية من خارجها، وهو الحل ذاته الذي اقترحه سمير أمين تحت عنوان بناء الاقتصاد المتمحور على الذات، وكلاهما كان ينطلق من الفرضية الثورية السوفياتية المنشأ، القائلة أن العصر هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية. فهل ما زالت الفرضية هذه صحيحة؟ وهل الصراع العالمي اليوم هو بين جبارين، وهل ينطبق على الصراع العالمي اليوم ما كان ينطبق عليه أيام وجود الاتحاد السوفياتي؟

يقول مهدي إن الطائفية هي الشكل السياسي لدولة البرجوازية الكولونيالية. ربما كانت “الطائفية” أكثر المصطلحات حاجة للنقد وإعادة النظر، لا لأنه كمفهوم إجرائي كان قليل الجدوى في قراءة الواقع اللبناني، بل لأنه أساء لعملية التغيير وشكل تغطية على مكمن الداء المتفشي في مفاصل النظام اللبناني والمتمثل باستخدام التنوع والتعدد مادة لصراعات وحروب أهلية، في حين تنجو مجتمعات أخرى أكثر تنوعا من آفة الحروب لأنها، بمجرد اعترافها بالتنوع والمتنوعين، تجعلهم متساوين تحت سقف القانون، الذي يحمي التنوع وحرية المعتقد الديني والسياسي. هذا فضلاً عن أن مصطلح “الدولة” في التراث الماركسي تعرض لكثير من التشويه، بعد أن جرى تأويل الكلام عن اضمحلال الدولة، وانتقلت المهمة المنوطة بالتاريخ إلى مهمة راهنة أمام الطبقة العاملة وأحزابها.

مصطلحات كثيرة كان سيعيد مهدي النظر فيها، لكن من موقع إصراره على البقاء مثقفاً عضوياً ملتزماً بقيم الثورة واليسار والماركسية.

المصدر :

https://www.almodon.com/opinion/2016/5/21/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%84%D9%88-%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%AD%D9%8A%D8%A7