12 نوفمبر، 2024

جمهوريتي

19-12-2015

يختم نزار يونس كتابه بعبارة يخاطب بها أهل الحراك المدني قائلا: ” الرهان على عودة الوطن ومستقبل أجياله الطالعة محكوم بانتصار حراككم المبارك لقيام الحاضنة الشعبية للفكر المتحرر من التعصب والعنصرية والطائفية. ويفرحني أن أراهن على إرادتكم التي تصنع التغيير وعلى العقل المخطط الذي يختصر الطريق، وعلى حكمة من قال ، الرأي قبل شجاعة الشجعان”

ربما يحمل عنوان كتابه الصادر حديثاً “جمهوريتي” رغبة جيل الحراك وأحلام الأجيال الشابة ببناء وطن لم ينجح في بنائه لا جيل الاستقلال ولا جيل الشهابية ولا جيل اليسار بعقلائه وبمغامريه. وربما على أنقاض الهزائم التي منيت بها تلك الأجيال، وبدافع وطني صادق ومشاعر تتراوح بين الخيبات والمرارات والإيمان بمستقبل مشرق راح يحدوه الأمل بجيل جديد يحمل راية الدفاع عن “أغلى الغوالي ،الحرية والثقافة” بحسب عبارة الإهداء على صفحة الكتاب الأولى.

إصرار على التفاؤل بانتفاضة “لا بد لها، عاجلًا أم آجلًا، أن تعود إلى الشارع أكثر تصميماً وأفضل تنظيماً وأشد قدرة على خوض معركتها الحاسمة في سبيل الاسقاط السلمي لنظام المحاصصة الطائفي”. نشاركه حسن الظن بالحراك الذي أطلقته نفايات السياسة قبل نفايات الشوارع، بالرغم من العثرات التي تواجه الجيل الجديد، وبالرغم من أن الانتفاضة عاودت النزول إلى الشارع مبعثرة هذه المرة، من غير أن تتعلم من الخطأ والصواب في نزولها الأول.

نشاركه التفاؤل لأننا نعتقد بأن أخطاء الجيل الجديد أقل وطأة من أخطاء جيلنا  بيمينه وبيساره العلماني، ومن أخطاء بناة الاستقلال الأوائل، ومن أخطاء جيل الشهابية الذي ينتمي إليه نزار يونس. ولأن حركات التغيير في لبنان أدخلت في قاموسها السياسي مصطلحاً جديداً غيرشائع في الخطاب السياسي التقليدي، الرسمي أو في المعارضة، عنيت به مصطلح المحاصصة.

لم يدرجوه في عداد تشخيصاتهم السابقة لأمراض النظام. لأنهم كانوا يعتقدون أن مرض النظام يكمن في الطائفية، وأن الحل يكمن في إلغائها، ثم واجهتهم صعوبة في تطبيقه، وأفضى أمر الاصلاح الذي ارتجوه إلى تدهور الحالة من الطائفية إلى المذهبية، ومن الدولة إلى الدويلات. واليوم، يخشى على مصطلح المحاصصة من أن يحمل أعباء شراكته مع مصطلح الطائفية، فالمحاصصة تشخيص سليم لمرض النظام اللبناني، لكنها ليست محاصصة بين الطوائف ليقال عنها محاصصة طائفية، بل هي محاصصة بين أشخاص يمثلون مصالحهم ويدعون تمثيل مصالح الطوائف.

جوهر الفكرة في كتاب نزار يونس وعموده الفقري إيمان راسخ بلبنان. فهو “يحلم بجمهورية على قياس حبه لهذا الوطن، جمهوريته التي لأجلها سيكرس ما بقي له من أيام”. ولسنا نظن الحراك المدني أقل رغبة ببناء مثل هذا الوطن. ترن في أذنه كلمة جاره طانيوس “قولك أيمتى بيرجع لبنان”، مثلما ترن في نفس كل شاب وصبية من أهل الحراك هواجس ومخاوف على مستقبل كل منهم وعلى مستقبل الوطن.

نزار يونس لم يولد من الرحم السياسي وحده للتجربة الشهابية ، بل من رحمها العلمي، فكان من أوائل الذين “تحرروا من الفكر الطائفي ومن الأوهام السائدة لدى كل طائفة حول تملك هذا الفكر عقول الطوائف الأخرى”، ومن أوائل الذين تابعوا تحصيلهم العلمي في فرنسا، نزولاً عند رغبة الأب لوبريه، رئيس بعثة إرفد، بما يؤهله للعمل في وزارة التصميم، وأول رئيس “للاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين” في لبنان.

إذا كان نزار يونس ينطلق من حنينه إلى التجربة الشهابية الرائدة، فمن أين عسى أن ينطلق أهل الحراك؟ أمن فشل التجارب الثورية والإيديولوجيات، أم من الاصطفافات الثنائية التي تعاقبت على تنظيم الصراعات والمعارك والحروب، بين النهج والحلف، أو بين الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية، أو بين التيار السيادي وتيار الممانعة، أو بين فريقي آذار؟

بإمكان الحراك أن يستلهم من تجربة الجيل الذي ينتنمي إليه نزار يونس، ومن كتبه التي أصدرها تباعاً، لبنان الآخر(2000)، الطريق إلى الدولة(2004)، برلمان الغد(2006)، ما يمكن أن يشكل خارطة طريق يرسمها أهل الحراك بالعودة إلى الوجوه الإيجابية من  التجربة الشهابية التي يتغنى بها نزار يونس، والمتمثلة ببناء دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص، مع إعادة النظر بالقوانين المتعلقة بالتمثيل السياسي، وتفادي النواقص التي رافقت بناء الوطن والدولة، ولا سيما ما يتعلق منها بالديمقراطية والحريات العامة.

المصدر :

https://www.almodon.com/opinion/2015/12/19/%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D9%8A