13 أكتوبر، 2024

اقتصاديو لبنان جبناء

14-6-2013

ربما لم يكن ماركس على حق حين نعت رأس المال بأنه جبان . أو ربما نحن أخطأنا تفسير كلامه حين جعلنا الرأسمالي يتماهى برأسماله . والحقيقة أنه ما كان للحضارة الرأسمالية أن تبلغ ما بلغته لولا جرأة بلغت حد التهور في كسر قيود علاقات الانتاج المعيقة التي سادت في الحقبة الاقطاعية .

ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها اقتصاديو لبنان ، ولا الأولى التي يهددون فيها ويتوعدون ، ولا الأولى التي يشكون فيها من ليل السياسيين الطويل . لكنهم ، كما في كل مرة ، لا يترددون في اتخاذ قرارين متلازمين : يهبون إلى نجدة الاقتصاد اللبناني وحماية الوطن من السقوط ، ويهددون السياسيين بالويل والثبور وعظائم الأمور . ينفذون الأول بشجاعة ، ويحجمون عن الثاني ليثبتوا صحة فرضية ماركس وصحة تأويلنا تلك الفرضية .

اقتصاديو لبنان ومغتربوه حموا الاقتصاد من السقوط ، لكنهم ، في الوقت ذاته ، كانوا يحمون العامل \ الخطر الدائم الذي يهدد بسقوط الاقتصاد ومعه الوطن والدولة ، والخطر هم أهل السلطة الذين يتولون إدارة شؤون البلد وفي قبضتهم وكالة دائمة ، “غير قابلة للعزل” منحهم إياه رأس المال الجبان وأصحابه.

أهل الاقتصاد في البلدان الرأسمالية وفي الدول المعاصرة والحديثة  ينتدبون من يمثلهم في إدارة شؤون البلاد، ليتفرغوا هم لإدارة استثماراتهم . أما في لبنان فلم يحصل انتداب ، بل اغتصاب للسطلة .

 حصل ذلك في المرة الأولى ، حين أنتدبت عائلات اقطاعية ممتدة من المرحلة العثمانية نفسها لحكم البلد ، في ظل تأخر نشوء طبقة رأسمالية ، فطبعت النظام السياسي بطابعها وحمّلته اسمها : الاقطاع السياسي، ومعناه أن أهل اقتصاد الولايات ودويلات الملل هم الذين راحو يديرون سياسة بلاد جديدة إسمها الوطن ، وكان من الطبيعي أن يديروها بعقلية المحاصصة الاقطاعية.

في الثانية سطت ميليشيات على السلطة وأرغمت أهل الاقتصاد على توقيع الوكالة وفرضت عليهم نوعا من المساهمات المالية  ليست تكاليف الحملات الانتخابية إلا عينة منها، وهي ضرب من  الخوة والأتاوة تدخل إلى خزائن القادة من خارج قنوات الدولة واقتصادها ، وطبعت الدولة بطابعها الميليشيوي وعزلتها عن الحداثة والعصرنة وأعادتها إلى عصر التشبيح وحكم القبضايات وغياب القانون .

في المرة الأولى كان من الطبيعي أن تتولى إدارة الاقتصاد فئة من السياسيين اختارت التعاون مع رأس المال أو التكيف معه ، فتمكنت من القيام بمهمتها بطريقة مرضية وإن لم تكن مثالية ، ولم يبرز تعارض بين رأس المال وممثليه في السلطة السياسية لأن أهل السلطة كانوا إما حلفاء إما وكلاء إما ممثلين حقيقيين للطبقة الجديدة الناشئة . أما في الثانية فقد خرج القطار عن سكته ، وعادت البلاد ، على أيدي الميليشيات ، إلى ما قبل الدولة الحديثة ، إي إلى مرحلة صارت المحاصصة فيها لا بين إقطاعيين بل بين “قبضايات” وشبيحة ، كل واحد منهم خطف حيا أو منطقة أو طائفة ، يستخدمها في مواجهة خصومه وفي ابتزاز المال ، وفي إعادة الدولة إلى ما قبل الدولة ، أي ما قبل القانون والمؤسسات .

أن يأتي متأخرا خير من ألا يأتي أبدا. واهمون رأسماليو بلادنا وأهل الاقتصاد فيها إن هم توقعوا ممن استولوا على السلطة بالتشبيح أن يتخلوا عنها بالطواعية والرضا . وقد يكلفهم الأمر غاليا إن هم حزموا أمرهم واستردوا الدولة من مغتصبيها ، لكن الكلفة ستكون مضاعفة إن هم توانوا واستكانوا ، أو إن هم استمروا يصادقون على أمر واقع أقل نتائجه دمار البلد ودمار الدولة . ساعتئذ لن يجدوا من يحميهم أو يحمي استثماراتهم .

لم يعد مجديا أن يرفع الاقتصاديون استغاثات أو يطلقوا صرخات أو يوجهوا تحذيرات . فقد آن الآوان أن يضعوا حدا لتواكلهم وتهاونهم ويتوقفوا عن تمويل طبقة سياسية تغيب عن همومها مصالح الشعب ، وتبيع السيادة الوطنية في مزاد الدول القريبة والبعيدة ، الصديقة أو العدوة .

الرأسماليون وأهل الاقتصاد اللبنانيون …لا تشجعوا الشبيحة على تدمير الوطن وإلغاء الدولة .

 سيدق الربيع أبوابكم  ، فلا توصدوا الأبواب.