محمد علي مقلد 10-6-2013
لتنبيه حزب الله من مخاطر تدخله في شؤون الثورة السورية ، استخدم البعض أمثالا شعبية وحكايات خرافية ، من بينها حكاية الثعلب الذي سره أن يبتلع منجلا ولم يحسب حسابا لآلام إخراجه من أحشائه ، والحشرة التي دخلت من ثقب صغير إلى قلب بطيخة وتضخمت في داخلها حتى لم تعد قادرة على الخروج منها إلا بعد عودتها إلى حجمها الطبيعي.
واستخدمت تنبيهات من مغبة توريط الطائفة الشيعية في تعقيدات الأزمة السورية وفي رفع منسوب الفتنة الشيعية السنية في لبنان ، ومن مغبة الامعان في تنفيذ الأجندات الخارجية ، والدخول في مغامرات غير محسوبة ، ومن زج نفسه في معركة ضد الشعب السوري وضد الأغلبية السنية في المحيط العربي ، ومن تعريض الوحدة الوطنية اللبنانية لهزة تطيح بما تبقى من آمال لدى اللبنانيين في إعادة بناء بلدهم ، الخ ، الخ .
واستخدمت إدانات لانتهاكه سياسة النأي بالنفس وتهديده الدولة اللبنانية بوجودها ، وتضييعه بوصلة النضال من فلسطين جنوبا إلى سوريا ومن حماية القدس ومقدساتها إلى حماية المقامات في الست زينب وهيبة السلطة السورية في القصير، الخ ، الخ .
بعيدا عن لهجات الإدانة و التحذير والتنبيه والأمر والنهي والطلب والتوصية والنصيحة والتمني التي لا يأخذها حزب الله ، الآن ، بالاعتبار في غمرة شعوره بنصر يشبه النصر الإلهي ، قد يكون مفيدا أن يأخذ الوقت الكافي ، بعد أن ينجلي غبار المعركة (لا غبار الحرب)، وقبل أن يصبح الخروج منها ” مستحيلا … كوقف النزيف من الأصابع” ( العبارة للشاعر محمد الماغوط)، أن يجيب على تساؤلات فكرية ونظرية مشروعة تستوجب جرعة أكبر من التفكير وجرعة أقل من الحماسة والانفعال.
قد يسمى التدخل في أحداث سوريا حربا مقدسة في مواجهة الاستكبار العالمي والمؤامرة الاسرائيلية الأميركية على المقاومة ، أو معركة على التكفيرييين ، أو جزءا من التمهيد لعودة المهدي المنتظر ، أو الدفاع عن المقامات الشيعية ، أو معركة استباقية لحماية لبنان من مشروع سعودي تركي سني ضد الشيعة ، الخ ألخ . حتى لو صنفت هذه الأفكار في باب الأسباب المشروعة للدخول طرفا فاعلا في متاهات الحرب ، لا في باب الحجج والمبررات، لا بد من أن يطرح حزب الله على نفسه ما يشبه الأسئلة التالية :
- ما هي خطته بعد السيدة زينب والقصير؟ هل سيستكمل تحرير الأراضي السورية من التكفيريين؟ وإن نجح في ذلك فهل سيستلم السلطة هناك ليحكم البلاد بديلا عن نظام البعث ؟ أم أن النظام السوري سيطلب منه العودة إلى لبنان مشكورا؟ أم أنهما سيتعاونان معا لتثبيت الأمن والاستقرار في بلاد مهدمة لا تقوى الامكانات المالية الإيرانية على النهوض بها ؟
جوابا على هذا السؤال ، يقول قائل ، لا يمكن أن يهزم شعب على أرضه ، وهذا ما أثبته حزب الله والمقاومة اللبنانية الباسلة في مواجهة اسرائيل. ترجمة ذلك تعني أن كائنا من يكون المنتصر في سوريا ، النظام أم المعارضة، سيكون حزب الله الخاسر الوحيد والغريب الوحيد . سيكون محتلا وستقوم في وجهه مقاومة تشبه مقاومته هو للاحتلال.
وجوابا عليه أيضاً ، نذكره بما قلناه له غداة حرب تموز : ماذا لو احتل حزب الله لبنان؟ سيكون مضطرا إلى إدارة الأزمة ولن يكون قادرا على حلها ، ومن الأفضل له في هذه الحالة أن يبحث عن صيغ للتعاون على أدارتها مع شركائه في الوطن ، بديلا عن إدارة الظهر لهم واستعدائهم . هذا الكلام يقال من باب أولى في الحالة السورية ، لأن احتمال انتصاره مع النظام على الثورة سيضعه أمام الدفاع عن نظام فشل في إدارة شؤون بلاده وعجز عن القيام بموجبات القضية القومية على امتداد نصف قرن .
- الحروب بين الأديان أو بين المذاهب والجهاد المقدس لنشر الدعوات الدينية والمذهبية “بقوة السيف ” باتت من خارج جدول عمل التاريخ ، أولا لأن البشرية دشنت عصرا حضاريا جديدا منذ مئات السنين ، وثانيا لأن مرحلة التبشير الديني انتهت إلى فرز أممي توزعت فيه شعوب الأرض على الديانات السماوية وغير السماوية ، وبات تبديل القناعات الدينية أمرا فرديا مرتبطا بالثقافات وطرق التبشير والتواصل الجديدة . وبناء عليه ، فهل يعتقد حزب الله أن انتصاره المحتمل في سوريا سيساعده في نشر مشروع ولاية الفقيه ؟ وهل يعتقد أن السنة المهزومين في سوريا سيهللون لانتصار مشروع شيعي إيراني على سوريين معضمهم من أهل السنة ويجمعهم الرباط القومي العربي لا الرباط الفارسي؟
- بعد انتهاء عصر الحروب الدينية دخلت البشرية عصرا حضاريا جديدا ولم يبق على وجه الكرة الأرضية إلا حروب يتواجه فيها طرفان : الثائرون على الاستبداد والمدافعون عنه ، شعوبا في مواجهة حكوماتهم أو تحكم الدول في مقدراتهم وثرواتهم . والأفق الوحيد لنهاية هذه الحروب هو دخول من أحجم من الدول والشعوب في هذا العصر الحضاري الجديد ، الذي طالما رفضت الدخول إليه القوى الأصولية الدينية واليسارية والقومية . فهل يعتقد حزب الله أن مشروع ولاية الفقيه قادر على فتح الآفاق نحو عصر حضاري بديل ، وهل يطمح مشروعه ذاك، إن وجد ، إلى توحيد العالم تحت رايته ؟
- يعرف حزب الله أنه لا يحظى بإجماع لبناني على مشروعه ، فهل هو يصر على المضي قدما رغم أنف الأغلبية الساحقة من شعبه ؟ وهل ينطوي إصراره هذا على ابتكار صيغة من الاستبداد يلغي فيها الرأي الآخر ويتربع وحيدا على عرش قرارات الحرب والسلم والتحكم بمصالح اللبنانيين في بناء دولة القانون والمؤسسات ، وباستثماراتهم الاغتراب وبتحويلاتهم المالية منها ، وبحركة السياحة والاصطياف المعطلة بفعل توتر الأوضاع في لبنان ؟
إن كانت حربه ، كمشروع ديني مذهبي أو كمشروع سياسي أو كمشروع ثقافي، مسدودة الآفاق ، أو إذا افترضنا أن الأفق مفتوح أمامه على مشروع ولاية الفقيه ودولة المهدي المنتظر الموهومة ، فإلى أين يمضي بأنصاره وبالطائفة وبالوطن ؟؟؟ ولا سيما إذا كان معظمهم لا يود الدخول إلى جنته ولا الدخول إليها بالسبل التي يختارها هو ويرسمها لهم؟
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام