1-7-2013
أتباع 8 آذر ومناصروها ومحازبوها مشغولون بترويج الأفكار التي تزودهم بها القيادة . كان ينقص توزيع حلوى كما حصل يوم سقوط القصير أو استشهاد جبران تويني ، وربما حصل ذلك في مكان ما محصور هذه المرة ، أما القيادة فهي ليست على حال واحدة من الارتباك . وحده حزب الله يغرد بعيدا في وثوقه بنصره الجديد ، بينما حلفاؤه المسيحيون في ذروة ترددهم بالسير وراء مشروع ولاية الفقيه ، فيما يخبط المسلمون منهم في خبط عشواء في مؤتمرات صحافية وتصريحات تبتغي الاحتفاظ بالجمهور وبمال السلطان للضرب بسيفه .
تصريحات حزب الله تشير إلى دروس مستجدة بالمقلوب . فهو يستنتج أن سلاحه بات في مأمن سياسي بعد اختفاء ظاهر الشيخ الأسير . وهو يعتقد أنه بات يسيطر على بوابة الجنوب والمقاومة ، صيدا ، بعد تقويض دعائم المربع الأمني في عبرا. أما صغار 8 آذار فلا يخفون نشوتهم بنصر ، هو من عند الله ، ولا يخفون ، كما تفعل القيادة ، التنسيق اللوجستي الكامل مع الجيش اللبناني الذي خاض معركة تحرير عبرا من مغتصبيها ومنتهكي القانون والمعتدين على السيادة . بل هم يتباهون بهذا التنسيق ، وهو منة حباها الله لأوليائه الطاهرين ومن خلالهم لجنوده الميامين ، ولهم أجر في الجنة وأجرة في الحياة الدنيا. أما أدواته في صيدا فليس ما يشغل بالها إلا تدفق بعض السلفيين من خارج المدينة للسيطرة عليها .
ما لا تجرؤ القيادة على قوله تقوله القاعدة وتكرره كالببغاء من غير تدقيق عقلي أو منطقي . تسمع من أقصى الجنوب الشيعي إلى أقصى البقاع الشيعي الكلام ذاته الذي لا ينم عن غير تهافت في منطق الدهماء : تيار المستقبل هو الذي افتعل أحداث صيدا ، والأسير مختبئ في فيللا الحريري ، ما يفسر ، في نظرهم ، محاولة حزب الله فرض حصار ومراقبة على التلال والتقاطعات المحيطة بدارة آل الحريري خلال معركة تصفية الأسير وظاهرته . فضلا عن كلام كثير يتناول علاقة الأسير بالمعارضة السورية المسلحة وخطر السلفيات السورية على لبنان ، والخطر الأسيري باعتباره امتدادا لها ، وخطر تدخل تيار المستقبل ومشاركته في المعارك ، انتهاكا للدستور اللبناني ولكل الأعراف والمواثيق اللبنانية السورية . نعم هذا هو المنطق المتهالك الذي يتداوله شيعة الشيعية السياسية. فضلا عن الأنصار والأتباع والمحازبين من غير الشيعة.
قد يكون مفيدا التذكير بأن الأسير شكا في إحدى خطبه النارية من كل القوى السياسية في المدينة ومن مفتيها واستخدم من الكلام شيئا من لغة 8 آذار التجريحية ، ولم يوفر الشهيد رفيق الحريري من هجومه الشتائمي ، آخذا عليهم عدم مساعدته على ترويج أفكاره ، متهما إياهم بالجبن والتخاذل في الإحجام عن مناصرته . والحقيقة أن امتناع المدينة عن نصرته تعود إلى سببين ، الأول مرتبط بتاريخ المدينة المسالم ( دعنا من رواية أحراق نفسها أيام أرتحششتا) ، إذ لم تلتئم محاكم صيدا على قضية جنائية واحدة ، على ما يروي أهل المدينة ومحاموها ، والأهالي يعرفون بعضهم بعضا على طريقة أهل القرى ويختارون لمشاكلهم الصغيرة والكبيرة حلولا أهلية تستبعد العنف .
تأسيسا على ذلك ، حين ظهر الشيخ الأسير على مسرح الحركات الدينية\ السياسية ، ارتاح الصيداويون لمنطقه المسالم لكنهم لم يمحضوا برنامجه التأييد الذي كان يأمل به ، وذلك لأنه كسر تقليدا آخر راسخا في تاريخ المدينة ، ويكاد يكون صحيحا القول ، أنه غير موجود في سواها من مدن لبنان ، وهو الاختلاط المدهش بين المذاهب والطوائف من أحياء صيدا القديمة حتى أحيائها الجديدة الممتدة حولها من جهة الشرق ، في المنطقة المعروفة اليوم بشرق صيدا ، وهم يحنون إلى تلك المرحلة ويأخذون على تجربة “الحركة الوطنية والقومية والإسلامية” أنها هي التي دشنت كسر ذلك التقليد العريق ، أول مرة في حادثة إحراق الكنائس قبيل الاجتياح الاسرائيلي ، في حين تولى الأمر في المرة الثانية فريق القوات اللبنانية في شرق صيدا تدمير خيوط الوصل بين صيدا وجوارها المسيحي . والغريب في الأمرهو تحول حارق الكنائس ، لحظة الاجتياح إلى عميل اسرائيلي أعادته الدولة العبرية ليصير ، فيما بعد ، واحدا من أنصار الأسير وربما من بطانته وواحدا من القيادة اللصيقة والبديلة ، ومنظما ، من يدري؟ للخلايا النائمة !
تقع الحقيقة خارج كل هذه الرواية التي يروج لها فريق الثامن من آذار والخالية من كل منطق . أولا لأن الأسير ، كما سبق لنا أن كتبنا ، هو بضاعة شيعية ، ونبت في بيئة سنية كرد فعل سلبي على ظاهرات أخرى نشأت في مناطق وطوائف مختلفة ، وهي متشابهة أيا يكن حجم الفوارق فيما بينها . وخطيئتها الأصلية غرقها في الأوهام و مضيها وراء أحلامها المستحيلة ، وإذا جاز لنا أن نحدد القاسم المشترك فيما بينها فهو زعمها أنها قادرة على بناء مشروعها على حساب مشروع الدولة وسيادة القانون.
بهذا المعنى ارتكب الأسير خطأه التأسيسي حين اعتبر أن حزب الله هو الوحيد الذي ينتهك القانون باستخدام السلاح خارج شرعية الدولة وسيادتها ، ثم بنى عليه خطأ آخر حين راح يقلده ببناء مربع أمني متوهما أنه سيعيد حقوق السنة في لبنان التي انتهكها حزب الله الشيعي .
على أن الحقيقة الأولى التي غابت عن عقل الأسير فهي تتمثل في كونه هو آخر آخر مبتكرات أو تجليات انتهاك القانون وتأسيس دولة خارج الدولة . أول تلك التجليات بدأ في المخيمات الفلسطينية واتفاق القاهرة ثم في الحركة الوطنية اللبنانية والجبهة اللبنانية والقوات اللبنانية ، ثم في كل الميليشيات التي فرخت بدعم من الثورة الفلسطينية والنظامين السوري والعراقي وبمساعدة سخية من الأنظمة العربية ، وانتهت بدولة حزب الله داخل الدولة .
أما الحقيقة الثانية فهي تتمثل في كون انتهاك القانون ليس حكرا على قوى تتوسل استخدام السلاح لتحقيق برامجها السياسية ، بل هناك قوى تنتهك سيادة الدولة من غير سلاح وهي مقيمة داخل مؤسسات الدولة ، في المجلس النيابي وفي الحكومات . وإذا كان لأحد أن يبحث عن حل فما عليه إلا التأسيس لمربع سياسي هدفه حماية الدولة من السقوط وإعادة بناء السيادة الوطنية … مربع يمتد على أربع أرجاء الوطن ويؤسس لربيع لبناني يطيح بدولة المحاصصة الميليشيوية .
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام