محمد علي مقلد 3-6-2013
تبريراتهم لتمديد ولاية البرلمان ليست واهية فحسب ، بل هي تنطوي على حجم كبير من تزوير الوقائع والتمويه على الحقيقة .
- عدم تمكنهم من التوصل إلى صوغ قانون جديد للانتخابات هو مجرد زعم ، لأنهم توافقوا على عدم الاتفاق ، صراحة إن لم يكن بالتواطؤ. ألم يكن التداول بمخرج التمديد قد بدأ قبل أكثر من عام ، في أوساطهم كما في وسائل الاعلام ؟
- برلمانهم اعتاد ، تحت حكم الوصاية ، أن يوكل مهمته إلى الجهاز الأمني اللبناني السوري وأن يتخلى عن دوره المثلث : التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها . ألزموه بأن يقصر عمله على تنفيذ قراراتهم ، فصار التواكل جزءاً من وظيفته ، حتى إذا ما زال عهد الوصاية وجد نفسه جاهلا بأصول العمل البرلماني ، متباهيا ، في ظل افتقاره لوجود مشرعين من بين أعضائه ، بأنه يتعاقد مع مشرعين ويستعين بالقضاة حين كانت تدعو الحاجة إلى التشريع .
- عوّده حكم الوصاية على تأجيل البحث بالقوانين الانتخابية إلى ما قبل موعد الانتخابات بقليل ، ثم يباشر نقاشها بعد فوات الأوان لأن هناك دائما من ينوب عنه فيقرر ويشرع ولا يبقى له إلا المصادقة على قرارات سواه . حصل ذلك في كل الانتخابات السابقة بدءا من القانون الذي أقر في الطائف ولم ينفذ ، ثم في قوانين 92،96،2000،2005 ، أما في عام 2009، وبحكم العادة ، فقد أعفي البرلمان من واجبه وتولى مؤتمر الدوحة المهمة هذه المرة ، وكانت العودة الميمونة إلى قانون الستين.
- بعد أن تخلى عن دوره في مراقبة الحكومة ومحاسبتها ، صار يتصرف كأنها هي المسؤولة عن مراقبته ومحاسبته، ذلك أن الحكومات ما بعد الطائف كانت كأنها هي المجلس النيابي مصغرا ، لأن القوى الممثلة فيه هي ذاتها التي كان يتشكل منها مجلس الوزراء ، فيبدوان كأنهما هيئة واحدة تشبهان اللجنة المركزية والمكتب السياسي في التنظيم الهرمي في الاحزاب الشمولية ، حيث تتناسب صلاحية اتخاذ القرار طردا ، مع ضيق الدائرة وعلو درجتها في سلم التراتب الهرمي، وصولا إلى حصرها في رأس الهرم . لذلك كان يبدو المجلس النيابي في ظل الوصاية مختصرا، برئيسه مثلما كانت تختصر المؤسسات الدستورية كلها بالعقل المدبر في أجهزة المخابرات.
- المرة الوحيدة التي بين فيها المجلس النيابي أنه “سيد نفسه” ، هي تلك التي تولى فيها رئيسه إقفال أبواب البرلمان، رافضا مناقشة مشروع القانون الذي أعدته الحكومة المعروف بمشروع فؤاد بطرس ، موكلا إلى الميليشيات احتلال الشوارع وتعطيل الحياة العامة ، إلى أن اقترب موعد الانتخابات فكان قانون الدوحة .
- هناك من أحصى عدد الساعات التي تفرغ فيها نوابنا لاجتماعات المجلس الموقر ولجانه ، وعدد المشاريع المطروحة على النقاش وعدد مشاريع القوانين المقترحة والمحالة على رئاسة الجمهورية ، الخ …وكانت النتيجة مخيبة جدا ، إذ بدا ممثلو الأمة عاطلين عن العمل ويتقاضون رواتبهم الضخمة من أموال الشعب ليحصروا عملهم الأسبوعي في مبنى البرلمان بالتناوب على المنصة لعقد مؤتمرات صحافية يتبادلون فيها التهم والشتائم.
- العدد الأكبر من النواب الممدد لهم لم يكن لهم أي دور في الحياة العامة في البلاد ، ولم يدلوا بأي تصريح ، وبعضهم اكتفى بقراءة بيان كتلته أو الدفاع عن مواقفها على الشاشات ، أو تبرير قرارات وزرائها المغمسة بالفساد. فوق ذلك ، بعد أن انتزعت من النائب صلاحياته وواجباته في التشريع والمحاسبة والمراقبة ، بات هو مادة للمحاسبة ، لا من قبل الناخبين بل من قبل رئيس اللائحة وصاحبها ، فيفوز بالنيابة من يحوز على رضا الوالي. يجزيه مالا وطاعة فيجزيه مقعدا.
- داهية الدواهي هي أن المجلس مدد لنفسه بذريعة الحرص على استقرار البلاد . ربما هو في حاجة لمن يخبره أن القوى السياسية الممثلة فيه ، والعاجزة عن صوغ حلول لأزمة الوطن هي المسؤولة عن تخريب الاستقرار، لأنها لا يعنيها أمر تجديد الحياة السياسية ، بل هي لم تعدم وسيلة لتخويف الناس بمستقبلهم الأمني والاقتصادي والسياسي بهدف تثبيت ممثليها في السلطة.
- التمديد أشد خطرا على مستقبل البلاد من أي وضع أمني ، لا لأنه يعني تمديد الأزمة وأسبابها ونتائجها ، بل لإنه الإمعان في تضليل الناخبين وتحاصص ثروة البلاد المادية ، وممارسة أبشع أنواع الاستبداد المقنّع
سيكون للبنان ربيعه أيضا ، والبداية من حرق التقاليد الاستبدادية التي زيفت القيم البرلمانية. فهل من بوعزيزي يشعلها تحت تلك القبة؟
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام