25 نوفمبر، 2024

الثورة المصرية تفضح اليسار

محمد علي مقلد                                                                 8-7-2013

تعليقا على ما يحصل في مصر ، خشي شيوعي لبناني تابع للقيادة المحتضرة من أن تؤم المساجد راقصات الملاهي بديلا عن المشايخ ورجال الدين ، وخشي آخر على الربيع من سطوة العسكر وعودة الانقلابات العسكرية بثوب مدني. من أين أتى هذا الحرص على المؤسسة الدينية ؟ وكيف يكون العسكر المصري موضع خشية والعسكر الممانع موضع ثقة؟ العلم عند الله .

أشخاص من أصوليات أخرى أعربوا عن خشيتهم  من أن يكون الانقلاب العسكري قد “أتى لقطع الطريق عن التمدد الثوري للجماهير، فالتمدد الثوري قائم فعلاً كما الانقلاب، فهما نقيضين جدليين تاريخيين في الواقع المصري (فانقلاب الضباط الاحرار في القرن الماضي أتى ايضاً للالتفاف على اتساع رقعة الحركة الثورية، ليغلق الخناق عليها” ( النص منقول بأخطائه اللغوية من مقالة إلكترونية بعنوان الحركة الثورية مستمرة رغم الانقلاب)

ناهيك عن خشية الممانعين المستلهمة من نصائح النظام السوري إلى حكام مصر وتركيا وهي نصائح تدعو إلى احترام إرادة الشعوب .موزاييك من المواقف مضحك مبك على حال الأصوليات القومية والدينية واليسارية.

ليس لغزا أن تتشابه الأصوليات. من موقع التشابه هي تدافع عن بعضها ، وترى أي عدوان على واحدة منها هو عدوان على الآخر. التضامن في مثل هذه الحال واجب لا للدفاع عن الآخر بل للدفاع عن النفس. ووجه الشبه بات أسطع من نور الشمس. قد تختلف الأصوليات على الإيديولوجيا وعلى البرامج الاقتصادية لكنها تتشابه في نظرتها إلى الدولة وفي طريقة إدارتها السلطة وفي موقفها من الديمقراطية .

الربيع العربي كان بالضبط ثورة على وجه الشبه هذا ، ولذلك ارتبكت الأصوليات في البداية ووقفت متفرجة ثم سرعان ما التحقت في بلدانها وظلت مترددة في التضامن من خارج بلدانها. الربيع ثورة على الاستبداد في حين حاولت الأصوليات أن تحرف مساره ولم تنجح . حاولت أن تجعله تارة ضد الجوع وتارة ضد الاستعمار وثالثة ضد الصهيونية.

حنق الشيوعي اللبناني والبعثي الممانع والقومي المتعصب على مصير تجربة الإسلام السياسي ليس ناجما من فراغ بل نابع من كونهم ينهلون جميعا من منهل مجافاة الديمقراطية والعداء لدولة القانون والمؤسسات .

ولأن لكل أصولية معيارها في الموقف من القضايا التي واجهها العالم المعاصر: التقدم ، النهضة ، الحرية ، المرأة ، الملكية ، إدارة الشأن العام ، الخ. كانت أعنف الخصومات هي تلك التي عصفت بين تياراتها المختلفة ، على أن الأكثر تدميرا من بين هذه الخصومات هي تلك التي نشبت داخل التيار ذاته أو التيارات المتشابهة ، الديني والديني ، القومي والقومي ، الماركسي والماركسي. والسبب واحد عدم قبول الأصولية بالآخر المختلف وعدم الموافقة على مشاركته في أي شأن ، لا سيما المتعلق بالسلطة السياسية . هذا هو المصدر الفكري والإيديولوجي والسياسي لمفهوم الحزب الواحد والقائد المفدى والزعيم الأوحد والرئيس إلى الأبد ، ولسياسة الإبعاد بالنفي والقتل والسجن ، ولنهج الاستئثار بالسلطة وممارسة الاستبداد ، ولا سيما أبشع أنواعه ، أي الاستبداد الديني ( على رأي الكواكبي).

الخوف ليس على المساجد ، بل من إساءة استخدامها وتوظيف القداسة الدينية في الشؤون السياسية المدنسة . أما التخويف من تدخل الجيش المصري فهو ليس سوى ذريعة . بعد أن ثبت أن الأصوليات كلها تعتمد على صيغ من التنظيم العسكري السري، قد تختلف تسمياته ( فرقة ، خلية ، مجموعة ، فرعية ، منطقية ، شعبة ، فصيل ، سرية ، الخ ، الخ ، وصولا إلى مجالس القيادة والرئيس والأمين العام والقائد العام والمرشد العام ، حتى آخر مبتكرات التمسك بالسلطة بأحدث أدوات الاستبداد.

خطيئة الإصولية الاسلامية في مصر تمثلت في اغتصابها السلطة والاستئثار بها وانتهاك الدستور وتعطيل الديمقراطية وإلغاء العمل بالمؤسسات.

ثورة مصر الثانية خطوة ضرورية  على طريق الديمقراطية وبناء دولة القانون