26 أبريل، 2024

من سد الطريق على الدولة ؟

   15-7-2013

عملية إعادة بناء الدولة في ظل الظروف الراهنة تبدو كأنها أمام الطريق المسدود. فمن الذي يسد الطريق؟

الجواب السهل يأتي على لسان كل من  طرفي الانقسام ،  8 و14 آذار،  بتحميل كل منهما المسؤولية للطرف الآخر. تحميل مسؤولية بالجملة ، لا عن إعاقة بناء الدولة فحسب ، بل عن كل شيء ، كل شيء. عن التفجيرات الأمنية والأزمة الاقتصادية والتوتر المذهبي والتطرف الديني والسياسي ( تكفيريون وولاية فقيه) ، وعن تعطيل عمل الحكومة والمجلس النيابي وعن تدبير المؤامرات والتنسيق مع الخارج ضد خصوم الداخل ، وعن شحن النفوس وتحضيرها للحرب الأهلية ، وعن استهداف الجيش وضرب الوحدة الوطنية ، وعن تخريب الوحدة الداخلية لدى كل مذهب ، وعن الإساءة إلى علاقات البلد الخارجية ، والتآمر مع أعداء الوطن والأمة ( إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والخليج العربي من جهة وإيران وسوريا  وحلفائهما من جهة أخرى)  … الخ ، ألخ .  لكن الأجوبة السهلة لا تقول الحقيقة أبدا بل غالبا ما تسيء إليها وتشوهها .

ما يحصل لا يندرج في إطار عرقلة بناء الدولة بل في جريمة تخريب ما تبقى منها . مسؤولية ذلك لا يتحملها طرف بذاته بقدر ما تتحملها تقاليد أرساها نظام الوصاية حين ألغى أهم أساس يقوم عليه النظام الديمقراطي ، أي نظام ديمقراطي ، نعني به الفصل بين السلطات .

لقد انتظمت الحياة السياسية بعد اغتيال الحريري على انقسام حاد طال كل المرافق  السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد . وقد تحول الانقسام إلى مأزق ، لأنه لم يبق محصورا في الصراع بين القوى  ، بل تعمم فانتقل إلى سائر مؤسسات الدولة وأجهزتها، ولم يسلم منه لا المجلس النيابي ولا الحكومات المتعاقبة و لا الإعلام ولا المناطق ولا القوانين ، حتى ولا الدستور ، ناهيك عن القضاء والمؤسسات الأمنية . انقسام دمر الأساس الذي تقوم عليه وحدة الوطن والدولة.

هذا الانقسام أطاح الأساس الذي يشكل ضمانة لحماية الديمقراطية ولانتظام الحياة السياسية وآليات الصراع بين الأطراف المتنازعة  ، ونعني به الفصل بين السلطات . أما أن ينتقل الصراع بين القوى السياسية إلى مؤسسات الدولة كلها فيحولها إلى ساحات متشابهة لممارسة الخصومات والنزاعات والمنافسات والاتهامات ، ويجعلها نسخا طبق الأصل عن بعضها البعض ، فذلك يعني الإطاحة  بفكرة التعدد وتحويل الدولة إلى دولة استبداد بمواصفات كاملة.

من صنع الاستبداد في النظام اللبناني ؟ الميليشيات هي المسؤولة الأولى ، وباركتها سلطة الوصاية فساعدتها على انتهاك القانون وإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات ، غير أن القوى السياسية اللبنانية التي كانت أذعنت لقرارات نظام الوصاية خلال وجوده ، واستمرت تعمل بوحيها بعد خروج القوات السورية ، و تضاعفت مسؤوليتها حين لم تكتف بعدم المبادرة إلى إعادة الأمور إلى نصابها ، بل راحت تبتكر صيغا محلية للاستبداد من بينها زرع انقسامات في صفوف الشعب اللبناني ليست من طبيعة الانقسامات في دولة ديمقراطية ومجتمع مدني وشعب موحد . من بينها تلك التي تفرز الشعب اللبناني وتوزعه على ولاءات لقوى ومشاريع  ومصالح خارجية .

مسؤولية القوى السياسية عن انتهاك اسس الديمقراطية قد تبدو مموهة وغير واضحة ، وهي ليست موزعة بالتساوي بين معسكري الانقسام اللبناني ، غير أن الخطر واضح وصريح في استخدام السلطة الرابعة ، الإعلام ، استخداما سيئا ، حين ارتضت على نفسها ، خلافا لأخلاقياتها وآدابها ،  الانخراط في الانقسام العامودي ذاته ، وباتت واحدة من أدوات التدمير الفالتة من أي رقابة . سلطة مؤسساتها تبحث عن الكسب الرخيص وتعمل بمنطق الاستثمار والربح وتتجاهل دورها الحاسم في تكوين الوعي الاجتماعي والسياسي ؛ و ” نجومها ” أبواق ، يطلون من على منابر الاعلام المرئي والمسموع ، ليبثوا سموم الشقاق ويقترفوا أبشع أنواع التهييج الطائفي والمذهبي. حزب الله مسؤول عن لجمهم لأنهم يستظلون به ويتذرعون بالدفاع عن المقاومة ، ولأن  أذيتهم التي تنال من الوحدة الوطنية اللبنانية تطاله ايضا في سمعته وتضحياته ومستقبل علاقاته وخصوماته وتحالفاته.

أول خطوة في تخريب الدولة هو زجها في الصراعات السياسية . الدولة تضبط الصراع وتديره ولا تكون ساحة له . الدولة مؤسسات ، أيا تكن نتائج الصراع وأشكاله تبقى المؤسسات هي الضامن لاستمرار الدولة . في بلجيكا ، استمرت الدولة من غير حكومة أكثر من عامين ، تمثلت ضمانتها باستمرارالقانون والمؤسسات مصانة ومهابة ومحترمة. في حين أقدمت القوى السياسية في لبنان على اقتحام المؤسسات وتحويلها إلى ادوات صراع فيما بينها ، وألغت الفرق بين الدولة والسلطة ، وجعلت كل أجهزة الدولة ، بما في ذلك المجلس الدستوري ، السلطة المسؤولة عن حماية الدستور ، حلبة صراع وتوزعتها بالمحاصصة .

باب الخروج من المأزق يتمثل بتشكيل حكومة تدير شؤون البلاد وتنظم الصراع الدائر وتحصن المؤسسات ، وتعمل على تطبيق المبادئ الأولية التي تقوم عليها الدول الحديثة ، وعلى رأسها الفصل بين السلطات وتحصين السلطة القضائية . من أجل ذلك ،  ينبغي تجنيب الدولة تبعات الصراعات السياسية ، وذلك بتشكيل حكومات وزراؤها من خارج المجلس النيابي ومن غير قيادات القوى والتيارات والأحزاب المتصارعة .