29 مارس، 2024

انتخابات بالمقلوب

محمد علي مقلد                                                                        25-4-2014

هل هي عملية انتخاب أم بروفة انتخاب أم تمرين أولي على الاقتراع؟ أم هي جس نبض كما يبدأ المتصارعون على حلبة مصارعة ؟ أفضل ما يمكن أن تنعت به هو أنها انتخاب بالمقلوب ، بدل أن يعلن في نهايته اسم الفائز تعلن أسماء الراسبين ، على طريقة المنهج البنيوي ، أي كأن تضع تعريفا للمصباح مثلا فتقول بأنه ليس الجبل ولا النهر ولا القلم ولا العصفور . وسيستمر تعداد المنفيين من جنة الرئاسة إلى أن يتم وأد السيادة الوطنية والقرار المستقل في جلسة يعلن فيها اسم الفائز بالتعيين السري من خارج الحدود لا بالاقتراع السري داخل قاعة المجلس النيابي.

سيقال الكثير عن جلسة الأربعاء والجلسات المتتالية التي لن تفضي إلى انتخاب رئيس : تمثيلية ، جلسات اختبار أحجام أو اختبار نوايا ، للتعطيل أو للتوافق على رئيس يشكل نقطة لقاء بين المتخاصمين ، ترقب بانتظار حصول اتفاق القوى الاقليمية والدولية على اسم الرئيس، أو لتعويد الشعب على الفراغ في سدة الرئاسة  تمهيدا لتهميش هذا الموقع ، كمقدمة لتهميش الدور المسيحي.

 وقد يقال إن المماطلة في انتخاب الرئيس هي لاستبعاد الرئيس القوي واختيار أحد الضعفاء ممن لا حول له ولا طول ، أو أن طبخة الرئاسة لن تنضج قبل نضج الظروف المحيطة ، أو أنها ستكون جزءا من سلة حلول متكاملة تشمل النووي الإيراني والإرهاب الأفغاني والعنف المذهبي العراقي وتعقيدات الربيع العربي ، وخصوصا السوري ، وما تبقى من القضية الفلسطينية ، الخ ، الخ .

لن تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية  على غيرهذه الصور الهزلية ، فالمجلس النيابي الذي ينبغي أن تناط به هذه العملية ليس سيد نفسه ولا سيد اللعبة البرلمانية بل هو لعبة في حد ذاته ، أو مسرحية سمي أبطالها بالتعيين أو عن طريق الوراثة ، ويتم إخراجها بديكور خارجي ديمقراطي وبأبطال يتلون أدوارهم بالتلقين ؛ أما الآليات المتبعة فهي ترقى إلى عائلة الاستبداد المقنّع ، التي ينجح فيها أشخاص من غير أن يترشحوا، وينجحون بأصوات من خارج صندوقة الاقتراع ! صورة سوريالية ، أليس كذلك ؟ لكنها صورة حقيقية .

 بعد اطلاعه على كل النسخ الاستبدادية في التاريخ ، تمكن مجلسنا النيابي من ابتكار أحدث صيغة لتعطيل الديمقراطية . بعد النسخة اليونانية التي كانت تجيز حق الاقتراع للسادة دون العبيد ، والنسخة الأوروبية الأولى بعد الثورة الفرنسية التي حصرت حق الاقتراع بدافعي الضرائب  أو بمندوبين عن الوحدات الإدارية أو السكنية ، ونسخة الأنظمة التوتاليتارية أو ما يشبهها ، كما في المنظومة الشيوعية السابقة أو في البلدان العربية “التقدمية ” أو إيران ، حيث لا أحد يملك حق الترشح إلا بمباركة لجنة عليا يعينها المرشد أو الأمين العام ،ألغى مجلسنا النيابي دوره والتفويض الشعبي الذي حصل عليه ، وارتضى لنفسه تنفيذ تفويض القوى الاقليمية والدولية حين ستتفق على اسم الرئيس .

من الصور الهزلية في انتخابات الرئاسة اللبنانية ، أن الهيئة الناخبة أعطت نفسها حق الاحتجاج تصويتا بالورقة البيضاء. الاحتجاج الشعبي بهذه الوسيلة أمر مفهوم ، لأنه يكون موجها ضد سلطة ما ، أما في النظام البرلماني فالمجلس النيابي هو أعلى سلطة في الدولة ،  مع ذلك فقد أعطى نصف البرلمان اللبناني لنفسه حق الاحتجاج على نصفه الأخر ، في حين كان عليه ، لو كان سيد نفسه ، أن يؤمن ظروف نجاح العملية الانتخابية لا تعطيلها.

 ومن تلك الصور أن صاحب الغبطة والنيافة زار رئيس المجلس شاكرا ، وهي سابقة تقلل من الهيبة التاريخية والهالة التي نسجت حول البطركية المارونية منذ أن شاركت في تأسيس الكيان اللبناني ، ليعلن باللغة البائدة أن الرئاسة حق مسيحي وهي في الوقت ذاته نعمة يمن بها المسلمون على المسيحيين ، ثم يلوي عنق المنطق حين يصور واجب المجلس النيابي بانتخاب رئيس للجمهورية وكأنه نوع من العمل الخيري يستحق فاعله الشكر. من باب تأكيد المؤكد ، صار من ضرورات انقاذ الوطن انسحاب رجال الدين من العمل السياسي وعودتهم إلى مراكز العبادة.

تتويجا للأصول الدستورية كما يؤولها ويجتهد في تفسيرها منهج التشبيح الميليشيوي، حول البرلمان واجبه الدستوري بانتخاب الرئيس إلى حق بالتغيب عن جلسة الانتخاب بهدف تعطيل النصاب . في حين أن الدستور لا ينص على نصاب معين ، بل على حضور النواب للقيام بواجبهم الدستوري  .

مع كل ذلك ، نحن محسودون على الديمقراطية في بلادنا. إنها وجه مقنّع من الاستبداد مخلوطا بممارسة القهر والظلم …والناس نيام .