26 أبريل، 2024

الجامعة أم الجامعيون؟

30-5-2014

يحق للجامعيين أيضا ، وهم المسكونون، مثل سواهم من الموظفين في التعليم وفي الإدارة وفي الجيش والقوى الأمنية ، بالقلق على مستقبلهم الوظيفي ، أن يرفعوا الصوت ولائحة المطالب . ويحق لنا أن نسألهم ضد من يرفعون الصوت وأمام من يرفعون المطالب ؟ ويحق لنا أن نسألهم ماذا لو تم تعيين العمداء والمدراء وتم إدخال المتفرغين إلى الملاك ،الخ ألخ ، ثم تفاجأوا في أول العام الدراسي بانهيار الدولة والمالية العامة واحتلال الأبنية الجامعية وتحويلها على أيدي الميليشيات المسلحة إلى ثكنات عسكرية ، وتجنيد طلاب الجامعات وأساتذتها وقودا في الحرب الأهلية ؟

لا تقولوا إنه خيار المحبطين والمحبطين ( بالفتح والكسر) . بل هو الخيار الوحيد الذي تدفع البلاد كلها إليه ، ولن تكون الجامعة ضحيته الوحيدة في ظل سياسة التدمير الممنهج الذي تمعن الطبقة السياسية في اقترافه من غير أن يرف لها جفن ، والذي يستهدف أجهزة الدولة ومؤسساتها وقوانينها ودستورها كخطوة ضرورية على طريق تدمير الوطن وإلغاء الكيان.

الطبقة السياسية ،كان نظام الوصاية مثالها الأعلى ، وأوحى إليها كيف تبتكر صيغة لبنانية لتعليق الدستور، أي لتطبيق الأحكام العرفية من غير إعلانها ، فكانت الترويكا التي خلطت حابل السلطة التشريعية بنابل التنفيذية ، ثم هجوم صاعق على السلطة القضائية بغية تدميرها ، ثم إلغاء أجهزة الرقابة أو تعطيل عملها ( مجلس الخدمة المدنية ، التفتيش المركزي ومجلس التأديب العام ، ومصلحة المناقصات في وزارة المالية ، الخ . الخ .) ، ثم تخريب الجامعة والإطاحة بكل تاريخها الناصع ،  وصولا إلى تعطيل المؤسسة التشريعية ، وإلغاء مؤسسة رئاسة الجمهورية ، وتحكم حفنة من مخلفات العقل الميليشوي بمقدرات الدولة .

بين إضراب المساجين في رومية طالبين الخروج من السجن و تقصير محكومية المحكومين خلافا لكل القوانين أو تطويعا لها ، وإضراب المياومين الدوري في شركة الكهرباء لتثبيتهم ، وإضراب الراسبين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية لتوظيفهم أو لتجديد عقودهم ، والتهديد بخطف العام الدراسي والعام الجامعي من قبل رابطة المتفرغين في الجامعة وهيئة التنسيق النقابية ، وجه شبه كبير لا يحتمل الاعتذار، بسببه ، ممن نقدرهم ونتضامن مع قضاياهم المحقة في العيش الكريم ، ولا يحتمل التستر عليه ، لإنه هو الخطر الداهم ذاته الناجم عن انتهاك القانون وتهديد بنية الدولة ومصير الوطن .

الإشارة إلى الخطر على الوطن والدولة ليست لإخفاء الخطر على المطالب المحقة نفسها خصوصا وأن “الخصم والحكم” في هذه القضية يستخدم الجامعة والجامعيين والتعليم والمعلمين والإدارة والموظفين أدوات لتخريب الدولة ، وما أكثر الأدلة على الطرق المستخدمة لزعزعة الأسس التي قامت عليها ويمكن أن تقوم عليها دولة القانون والمؤسسات .

“الخصم والحكم ” ألغى مجلس الخدمة المدنية أو تحايل على قوانينه وأفرغ الإدارة العامة من الكفاءات وملأ الشواغر بالإنابة أو بالوكالة ممن لا تتوافر فيهم شروط التوظيف الواردة في قانون الموظفين ، ثم راح يوظف بالتعاقد بانتظار تحرك المتعاقدين لتثبيتهم . وهو نفسه رفض إلغاء الجمرك ( تطبيقا لفلسفة مالية معينة متبعة في كثير من البلدان) وأصر على إبقائه مصدرا لتمويل قوى الأمر الواقع ، إلى جانب إيرادات النفط والمشتقات النفطية التي حول مجراها من خزينة الدولة إلى سواها. وهو نفسه الذي ألغى النقابات والعمل النقابي في الاتحاد العمالي العام ، وطوع ما تبقى في الجامعة والتعليم ، فصارت رابطات التعليم الجامعي والثانوي والأبتدائي نسخة طبق الأصل عن التشكيلات الحكومية والنيابية والمحاصصات ، ما حال دون ممارسة دورها المستقل ، بالرغم من وجود نقابيين أكفاء في صفوفها . وهو نفسه الذي دمر القيم الجامعية ، العلمية والأكاديمية ، وجعل التوظيف فيها سبيلا للاستزلام ، ولم تعد الكفاءة ( وهي شرط أساسي لا من شروط العمل الجامعي فحسب ، بل من شروط قيام الدولة الحديثة ) ، بل صارت الانتهازية معيارا لتعيين الأساتذة والعمداء والمدراء ورئيس الجامعة . ونتيجة لكل ذلك ، هو نفسه الذي يضعكم أمام خيار الجامعة أم الجامعيين .

لم يعد ممكنا إنقاذ حقوق الجامعيين من دون إنقاذ الجامعة، ولا حقوق المعلمين من غير إنقاذ التعليم الرسمي ، ولا الإداريين من غيرالإدارة، ولا الجميع من غير إنقاذ الدولة والوطن . ما تبقى من العمل النقابي والنقابيين ، إضافة إلى الحريصين على حماية الوطن من الانهيار ، هو خط الدفاع الأخير عما تبقى من الدولة . فهل يزهر ربيعنا النقابي ليثمر ربيع الوطن ؟

لن يكون ربيع من دون لقاء الحريصين على بقاء الوطن ومؤسساته الجامعية والتربوية والعلمية والإدارية ، من دون تجميع جهودهم في جبهة عريضة لتشكيل كتلة ضغط فاعلة للانقاذ . الظروف الموضوعية ناضجة لقيام هذه الجبهة ، وهي بانتظاركم .