2-5-2014
ليس أمرا عبثيا ولا خلافا لغويا إصرار أرباب العمل على تسمية عيد الأول من أيار عيد العمل ، بدل عيد العمال. فالمسألة ليست صراعا على التعبير بل على مدلوله ، والصراع هو حقا صراع طبقات صاف بين منتجين لا يملكون ، ومالكين لا ينتجون .
هذا على الصعيد النظري حيث تبدو القضية بهذه البساطة . أما على الصعيد العملي ، فهي معقدة حد المتاهة . مع الحرب الأهلية ، كل حرب أهلية ،يتهاوى مصطلح الصراع الطبقي ، لأن الذين يتقاتلون على جانبي الجبهة ينتمون إلى كل الفئات الاجتماعية ، والمقاتلون هم في غالبيتهم من الفقراء؛ ناهيك عن إن للمصطلح في عقل ماركس معنى وله لدى المحسوبين على الفكر الماركسي معنى آخر.
مؤلف البيان الشيوعي لم يحدد الموقع الطبقي بموقع الفرد داخل شبكة علاقات الانتاج فحسب ، بل أضاف إليها عنصرا آخر ، هو وعي الفرد لهذا الموقع . أي أن الطبقة لا يكتمل تشكلها السياسي إلا بإضافة عنصر الوعي الطبقي ، ولهذا برز التمييز بين الطبقة بذاتها ، والطبقة لذاتها . هذا هو معنى أن العامل الذي يطلق النار من متراسه الطائفي أو الإتني أو القبلي أو المذهبي على عامل من الطبقة ذاتها في المتراس المقابل هو عامل غير واع لموقعه الطبقي .
غياب الوعي الطبقي ليس حكرا على الطبقة العاملة وحدها بل على أرباب العمل أيضا . وفيما يشكو الفريقان من الطبقة السياسية يرتمي أرباب العمل في حضنها أو يتواطؤون معها على سرقة المال العام ، بينما يتوجه ” العمال” إليها بصفتها الحكم بين طرفي الانتاج .
إذا كانت علاقة أرباب العمل ، أي الهيئات الاقتصادية ، بالسياسيين مبنية على تواطؤ قوامه تشريع النهب المنظم والفساد المنظم ، فإن علاقة ” الطبقة العاملة ” بهم مبنية على وعي طبقي منقوص يفضي إلى ازدواجية وتناقض في موقف ” العامل” منهم . فهو جزء من آلتهم الاعلامية ومن ماكينتهم الانتخابية ، وحين يناضل ضدهم للحصول على مطالبه يتعامل معهم باعتبارهم الخصم والحكم في آن معا.
هذا هو أحد وجوه المأزق الذي وقع فيه أصحاب مصطلح الصراع الطبقي . فكلما تضامن أصحاب انتماءات مختلفة ، طائفية ومذهبية وإتنية ولغوية ، في النضالات السلمية من أجل القضايا الاجتماعية ، تتأكد لديهم صحة المعنى الطبقي لنضالهم ، على غرار ما حصل في مظاهرات لجنة التنسيق النقابية أو تحركات العلمانيين في لبنان من خارج اصطفافات الحرب الأهلية . من هنا نشأ الاعتقاد القائل بأن الحرب الأهلية هي المخرج الوحيد لمنع الصراع الطبقي من أن يأخذ مجراه السلمي نحو التغيير أو التطوير أو التقدم، وبما أن التفكير الطبقي يحمل المسؤولية لأرباب العمل وحدهم ، عملا بالتفسير الميكانيكي ، المبتذل بحسب تعبير سمير أمين ، للصراع الطبقي، فإن الطبقة السياسية تصدق أنها تلعب دور الحكم فتصور نفسها منقذا للبلاد والعباد ، وتضاعف من قبضتها على ” الطبقة العاملة “، ومن استلحاقها بها سياسيا في إطار اصطفافات طائفية ومذهبية، أي غير طبقية .
الطغمة المالية واجهت الطبقة العاملة بلقمة عيشها ، أما الطغمة السياسية فقد حاربتها بوجودها بالذات ، أي بتوزيعها على الطوائف والاصطفافات المذهبية ، وبإلغاء الأطر النقابية التي تضمها ، وبتدمير الاتحاد العمالي العام واستلحاقة والقضاء على استقلاليته.
أما حزب الطبقة العاملة فمسؤوليته مضاعفة ، لأنه استسهل أن يكون هو ذاته أداة نضالية للطبقة العاملة بديلا من النقابات ، ولأنه بالرغم من اهتمامه بالثقافة والتثقيف ، اختزل مصطلحات ماركس وسخفها وطوع الفلسفة ولوى عنق العلم ليجعله مطابقا للمشروع السياسي.
الصراع الطبقي هو محرك التاريخ ، في نظر ماركس ، غير أن الماركسيين أنزلوه من كونه مهمة على جدول عمل التاريخ ، ووضعوه مادة راهنة دوما على حلبة الصراع اليومي، وجسدوه مواجهة مع أي غني يصادفونه . وقد تضاعف التشوش بعد أن احتل العمل الفكري حيزا كبيرا لا تصلح النظريات الكلاسيكية لحساب فائض القيمة الذي ينتجه هذا العمل.
على ضوء تغير تركيب الطبقة العاملة في العصر الالكتروني ، فهل من ينقذ عيد العمال بعد أن غدا مناسبة احتفالية فولكلورية تغيب عنها الطبقة العاملة ؟
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام