28 مارس، 2024

مخطئ من أيد البطرك ومن عارضه

محمد علي مقلد                                                                    9-5-2014

 أخطأ المهللون لزيارته كما أخطأ المستنكرون . الخطأ واحد لأن قياس الخطأ والصواب مبني على معيار انقسامي لا على معيار توحيدي .

روى لي أحد المغتربين أن السيد موسى الصدر زاره في مغتربه الأفريقي في ربيع العام 1967 ، وطلب إليه من جملة ما طلب ، تأمين موعد له للقاء الرئيس جمال عبد الناصر. لبى المغترب الطلب وتمكن ، بعد جهد ، من الحصول على موافقة من النظام المصري على اللقاء .

قبل أن يصله الجواب المصري، أعرب السيد أمام مضيفه عن تردد مفاجئ ،غداة اعتراض على الزيارة أتاه من سياسي لبناني لا يضمر ودّا لعبد الناصر ، واستمهل السيد مضيفه حتى لا يتسرع في اتخاذ القرار. وحين التقيا ، في الفندق في باريس ، كان المضيف قد حصل على جواب إيجابي من القاهرة ، لكن السيد قرر عدم الذهاب إلى الموعد ، وحجته في ذلك بسيطة : أيا تكن أهمية لقاء رجل بمكانة عبد الناصر في أيامه ، فهي ليست أهم من الوحدة الوطنية اللبنانية ، ولن أسمح لزيارتي إلى قائد تاريخي للأمة العربية أن تحدث بلبلة بين الشيعة وطوائف أخرى في لبنان .

كان يمكن لغبطة البطرك أن يقول قولا مماثلا : أيا تكن أهمية زيارة القدس الشريف برفقة قداسة البابا ، فالوحدة الوطنية اللبنانية أهم عندي من كل شيء . لكن ، لا البطرك ولا المهللون للزيارة ولا المعترضون أخذوا هذا المعيار بعين الاعتبار ، بل إن الموقف والموقف المضاد يفضيان إلى ما يعمق الشرخ الوطني ويوفر ظروفا مؤاتية لتعميق الانقسام  .

في المقابل ، المعترضون ،لا تهمهم الوحدة الوطنية اللبنانية أصلا، أو هي ليست من أولوياتهم ،  وهم يدفعون الصراع الداخلي إلى المزيد من التأزم تفريطا بهذه الوحدة ( مؤيدو الزيارة هم من صفوف 14 آذار ومعارضوها من صفوف 8 آذار) ، وتعميقا للانقسام حول النظام والثورة في سوريا.

غير أن حد التجاوز هذا يبلغ مداه حين يتعلق الأمر بفلسطين وقضيتها ومشتقاتها، ولا سيما مسألة التطبيع ، إذ تحسب الزيارة ، في نظر الممانعين ، بمثابة تطبيع مع العدو الاسرائيلي . ما يعني أن عشرين عاما تلت مؤتمر مدريد ليست كافية بعد لاستخلاص عبر مفيدة ، من بينها التسليم بأن الفلسطينيين هم من ينبغي أن يتسلموا ناصية قضيتهم ، والكف عن التدخل في شؤونهم الداخلية ، وعدم استخدامهم منبرا للتستر على عيوب الأنظمة الاستبدادية العربية التي أجازت لنفسها ممارسة التطبيع السياسي من خلال المبادرة العربية وقبلها في مؤتمر مدريد ، ثم حظرت ذلك على أدواتها والدائرين في فلكها .

على أن أهم العبر اللبنانية في قضية فلسطين هي أن الانقسام هو الذي منح الاجازة للتدخل السوري ثم الاسرائيلي ولكافة انواع التدخل ، في حين أن تحرير الأرض من الاحتلال ما كان  ليحصل لولا الوحدة الوطنية التي وفرت حضنا دافئا للمقاومة . الخطأ الأصلي في فكرة الزيارة هو في كونها تستدرج الانقسام ، تماما كما في زيارة البطرك سابقاً إلى سوريا ، ويتحدر منه خطأ مزدوج يرتكبه المؤيدون والمعارضون الجاهزون للوقوع ضحية سهلة لهذا الاستدراج ولأي استدراج مماثل يتسبب به أرباب الانقسام اللبناني الآذاريين.

الكلام عن الوحدة الوطنية يبدأ من أولوية الخيارات اللبنانية في إعادة بناء الوطن والدولة . أما الانقسام على أي أمر آخر ، مهما يكن جللا ، فلن يكون سوى ذر للرماد في عيون المتحمسين لأية قضية ” كبرى” كالقضية الفلسطينية ، أو النووي الإيراني ، أو ولاية الفقيه ، أو مواجهة الاستعمار، أو الدفاع عن الأماكن المقدسة ،  أو غيرها من القضايا ، وهو لن يكون ، في أفضل الحالات ، سوى منصة لتصديع الوحدة الوطنية ، أي لإطلاق صواريخ ” ميس ميس” على خصوم محليين .