22 نوفمبر، 2024

ثلاث نصائح لحزب الله

محمد علي مقلد                                                                      9-12-2013

هذه المقالة ليست معدة لنقاش سياسي مع حزب الله، فهو يعرف أننا نخالفه الرأي في الأساس النظري لبرنامجه السياسي وفي خارطة الطريق التي اختارها لتنفيذه ، ولا نقر له  مزاعمه في استخدامه السلاح من أجل المقاومة بعد اندحار الجيش الصهيوني عام 2000، مع ذلك سنسدي إليه هذه النصائح المستندة إلى تجربة وخبرة ومعاينة، آملين أن تكون أخوية في نظره مثلما هي في نظرنا ، استنادا إلى يقينه بأننا نقدر تضحياته البطولية من أجل تحرير الوطن من الاحتلال الاسرائيلي، وإلى معرفته بأننا لم نقصر في نقاش أفكاره السياسية في كتابنا عن الشيعية السياسية وفي كل مقالاتنا ومقابلاتنا الإعلامية.

 من ناحية أولى ، إن حزب الله يتوجه إلى جمهوره بخطاب وإلى خصومه بخطاب مناقض . فهو يكرر في النصف الأول من خطابه حرصه على الدولة ومؤسساتها وعلى التعايش اللبناني بتنويعاته الطائفية والمذهبية ، وحرصه على احترام الدستور والقوانين  ومبدأ الأكثرية والأقلية في اللعبة البرلمانية ، وحرصه على السلم الأهلي وعلى الحوار مع خصومه بطاولة وبغير طاولة وعلى الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي  ، الخ ، الخ . لكنه ، في النصف الآخر يحفر خندقا عميقا بينه وبين من يفترض أن يبني معهم كل تلك العمارة الوهمية من الوفاق والوحدة الوطنية ، فيكيل لهم الاتهامات ، وهي باطلة كلها في نظرهم ، وباطل جلها في نظرنا ، لأن من يتهمهم بالتطرف ومساعدة التكفيريين والسلفيين هم الأكثر اعتدالا على الضفة الأخرى ، وإن لم ينجح الحوار معهم فسيكون كارثيا ودمويا مع سواهم .

قد يعتقد حزب الله بصحة هذا النوع من الخطاب ، غير أن طمأنة خصومه في النصف الأول  تتبدد مع النصف الثاني فيقتصر فحوى الخطاب على شد عصب جمهوره دائما حول القيادة وخطها السياسي ويتحول إلى وسيلة للشحن والتحريض ، بل والتأسيس لشحن على الضفة الأخرى تؤتي ثمارها ولادة انتحاريين كما مع السفارة الإيرانية . هذا فضلا عن أن  هذه الازدواجية تشكل ثغرة كبرى في خطاب حزب الله ، لكونها تتيح لأي إعلامي أو خصم سياسي أن يوسعه من النقد اللاذع ما يتعدى مقارعة أفكاره بالحجة والبرهان ،ويتجاوز حدود السجال السياسي إلى النيل من مصداقيته السياسية والوطنية والأخلاقية .

من ناحية ثانية ، يحرص حزب الله على توظيف الكاريزما التي يتمتع بها أمينه العام ، لبلوغ أعلى درجة من التماسك الحزبي الداخلي ، بيد أن ذلك لا يخلو من أنعكاسات سلبية ، من بينها أن المبالغة في تحميل الأمين العام هذا العبء في كل شاردة وواردة ، يجعل الخطابات ، عند الافراط في استخدامها عرضة لارتكاب أخطاء تكثر احتمالات الوقوع فيها كلما اتسعت مساحة الكلام . هذا فضلا عن أن كاريزما الأمين العام ليست فحسب بنت مهارته الخطابية التي يتفوق بها على سواه من خطباء الحزب ، بل هي ناجمة أيضا من صفته كرجل دين وهذا هو الأخطر ، لأن هذا الجانب من الكاريزما لا ينحصر تأثيره عند حدود التعلق بالقائد والتمثل به والدفاع عن مواقفه والتعرض لكل من يتناوله بالنقد ، بل يتجاوزه إلى حيث يصير كلام القائد مجبولا بشحنة من القداسة تحصن كلامه ضد أي نقد أو نقاش ، وتجعل كل كلمة منه بمثابة ” تكليف شرعي “،  وهذا بدوره مناف لمبدأ الحوار الذي يزعم حزب الله  الحرص عليه.فضلا عن ذلك ، إن مثل هذه الآلية ، إذ تحرم الحزب من أي احتمال للمراجعة أو العودة عن خطأ محتمل ، هي آلية التورط التي تشبه المشي في الوحل حيث المضي إلى الأمام مستحيل كما العودة إلى الوراء.

من ناحية ثالثة ، من أبسط مبادئ الحرص على الدولة احترام مؤسساتها وقوانينها وسياستها الخارجية ، إذ لا يجوز لحزب في السلطة أو خارجها ، أو لوزير يمثل هذا الحزب أن يتخذ من المواقف ما يسيئ إلى صداقات الدولة وعلاقاتها الخارجية . وحين يرى الحزب أن وجوده أو وجود ممثله في السلطة يشكل عائقا أمام إعلان مواقفه ، عليه أن يستقيل من السلطة ، حتى لا يحمل الدولة أعباء تلك المواقف . هذا الخطأ كرره حزب الله في موقفه من المملكة العربية السعودية والخليج العربي ، ما عرض المصالح اللبنانية عموما ومصالح المواطنين الشيعة خصوصا هناك للخطر ،  وفي تدخله الأمني والعسكري في مصر و نيجيريا وبلغاريا وفي مشاركته الكثيفة في الحرب في سوريا، ما عرض سمعة لبنان واللبنانيين لكل المخاطر .

هل ، لدى حزب الله ، من أذن تصغي لنقد بناء؟