5 نوفمبر، 2024

خريف البطريرك

محمد علي مقلد                                                                    8-4-2013

رؤساء المؤسسات الدينية في لبنان ، مسلمين ومسيحيين ، لا يجيدون التمييز بين القضايا الوطنية والشؤون السياسية ، ولذلك هم يخبطون بينها خبط عشواء ، فيصيبون ويخطؤون . في القضايا الوطنية التي هي بالتعريف موضع إجماع أو ينبغي أن تكون كذلك ، غالبا ما تكون مواقفهم منها موضع إجماع هي الأخرى ، كموقف المفتي حسن خالد، في الصلاة الرمزية في ملعب الصفا ، من الاحتلال الاسرائيلي ، أو كموقف البطريرك صفيرالدائم من الوصاية السورية على لبنان ، أو كموقف الإمام موسى الصدر من الحرب الأهلية والسيادة اللبنانية أو الإمام محمد مهدي شمس الدين في الوصايا.

غير أنهم سرعان ما ينزلقون في اصطفافات وانقسامات ، حين يتعلق الأمر بشؤون سياسية يزجهم بها المحاصصون القابضون على رأس السلطة ، وخصوصا إذا ما حظي السياسيون بحصة في إدارة المؤسسة الدينية أو احتكرو إدارتها ، كما هي الحال في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وأعني بالشؤون السياسية تلك التي تكون موضع خلاف ، كقانون الانتخاب مثلا أو التعيينات الإدارية أو المسائل المتعلقة بالسلطة التنفيذية على اختلافها.

ما أن ينخرط رجل الدين في شأن سياسي يومي حتى ينزلق ويرتكب خطأ بحق الدين والمؤسسة التي يمثلها وبحق السياسة وبحق الوطن . هذا ما كان قد وقع فيه المجلس الإسلامي الشيعي حين انخرط في الصراع بين أمل وحزب الله أو بين أمل والحركة الوطنية اللبنانية ، وهو ما وقع فيه المجلس الإسلامي السني حين انحاز حديثا إلى فريق ضد آخر من اللبنانيين في الموقف من النظام السوري أو منذ وقت قريب في الموقف من معتقلين إسلاميين في السجون اللبنانية( بصرف النظر عن ملابسات الإجراءات القضائية التي هي ليست شأنا دينيا) . وكثيرا ما يقع فيه الرؤساء الروحيون ، حين يأتمرون بأمر الزعيم السياسي للطائفة فيصدرون البيانات بناء للطلب ، أو حين يدافع كل منهم عن موظف في الدولة اللبنانية ينتمي إلى طائفته ، أو حين يطالب بتعيين مدير عام أو قاض ، الخ . مكرسا في ذلك ما يزرعه السياسيون من أوهام في الوعي العام ، تدفع الموظف في الإدارة العامة دفعا ليكون خاضعا للزعيم السياسي أو الروحي بدل أن يكون رقيبا على تطبيق القانون والخضوع لسيادته وسيادة الدولة.

آخر أخطاء المؤسسات الدينية تلك التي ارتكبتها البطريركية المارونية حين زجها السياسيون في مواقف متعارضة ومتناقضة من قانون الانتخاب . لم تنتبه الكنيسة إلى أن الصراع على قانون الانتخاب ليس صراعا على دور المسيحيين في لبنان ، بل تنافس على كسب أصواتهم في معركة المحاصصة . ولم تنتبه إلى أن مشاريع قوانين الانتخاب المطروحة ، على اختلافها ، تحدد ، قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع، عدد الفائزين من كل فريق ، ولم تنتبه إلى أن اعتراض السياسيين أو موافقتهم على أي مشروع ينطلق من حسابات دقيقة للربح والخسارة في كل حالة من الحالات . بهذا المعنى ، إذا كان من حق السياسي استخدام المناورة في صراعه مع خصومه وفي الحملات الاعلامية التي ينطوي بعضها على جرعة من التضليل ، فليس من حق الكنيسة ( الإسلامية أو المسيحية) أن تستخدم الاسلوب ذاته ، لأن المناورة تتحول ، مع الجرعة الدينية ، إلى شحن طائفي ومذهبي لا تقصده المؤسسة الدينية ، بل يتوسله السياسي ويوظفه في لعبة التضليل المقيتة . تجسد هذا الخطأ أكثر ما تجسد في تورط المؤسسات الدينية ، ولا سيما المسيحية منها ، في إعلان موقف من المشاريع المقترحة لقوانين الانتخاب ، لاختيار من يمثل الشعب اللبناني في الندوة النيابية. فقد غيب السياسيون عن بال تلك المؤسسات مبادئ وأسسا لا بد منها لخروج البلاد من أزمة المحاصصة:

  1. كل قانون أكثري هو ، في الحالة اللبنانية ، قانون يحمي الاستبداد ، لأنه يلغي الأقلية أيا يكن حجمها ، حتى لو بلغ 49% من أصوات الناخبين . إذن مبدأ النسبية شرط أساس لقانون ديمقراطي يحمي جميع الأقليات.
  2. كل قانون لا يعتمد لبنان دائرة واحدة يجعل النائب نائبا عن منطقة أو عن طائفة ويحوله إلى معقب معاملات ويحول دون قيامه بواجبه الوطني في التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها ويبقيه مقيدا بإرادة من عينه في الندوة النيابية .
  3. كل قانون لا يعتمد المحافظة على القيد الطائفي ، بصورة مؤقتة ، من شأنه الإخلال بمبدأ المناصفة .

إذا لم ننطلق من هذه المبادئ الثلاثة ، ولم نوكل صياغة الاقتراح لاختصاصيين من غيرالمرشحين ، نشجع على استشراء الاستبداد و ونمعن في تدمير الوحدة الوطنية.