20 أبريل، 2024

شعار ملغوم : صحة التمثيل

محمد علي مقلد                                                                 1-4-2013

 منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية والكلام عن صحة التمثيل على قدم وساق كلما انفتح باب لنقاش قانون الانتخاب. العبارة لا تنطوي ، في سياق استخدامها إلا على مدلول واحد ودائم  ، وهو أن الذي كان بالأمس لم يعد صحيحا اليوم ، والصحيح اليوم لن يكون صحيحا غدا . وإلا فلماذا كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية يتسارع البحث عن قانون جديد يؤمن “صحة التمثيل” ، حتى باتت الصحة إسما مستعارا لأمراض مستعصية ؟

“صحة التمثيل” كلام حق و الباطل فيه متعدد الوجوه. أولها التظاهر بالحرص على صوت الناخب.  ذلك أن “الممثلين” لا يريدون لهذا الصوت أن ينزل في الصندوق إلا كالحفر والتنزيل ، ولا يرضون له أن يتعرض للتزييف من أي ذي مصلحة طارئة ، ولا سيما من أي ذي اختصاص في علم القوانين والدساتير . والطريف في أمر هؤلاء الحريصين أنهم اعتادوا على رمي الحجر في بئر القانون الذي روى عطشهم إلى التمثيل ” الصحيح” . هو العقوق بعينه  ونكران الجميل؟

وجه ثان من وجوه الباطل ، كلامهم عن صحة التمثيل ، من غير أن يحددوا : تمثيل من؟ ومن غير أن يحددوا كيف تكون الصحة ؟تمثيل المصالح أم الأحزاب أم الطوائف أم القوى الخارجية أم الأجيال الجديدة أم الطبقات ؟ التمثيل الصحيح وكفى. وعلى الناخب تدور دوائر التأويل والاجتهاد ، حيث يجتر الناخبون ممثليهم كل أربع سنوات ، وإلا فليس ما يدعو للقلق ، لأن ورقة التمديد في جيب أولي الأمر .

أول قانون للانتخاب ، أيام الدستور الأول ( 1943) حرص على تمثيل العائلات المالكة للأرض والنفوذ ، ممن سميناهم الاقطاع السياسي ، والعائلات المالية الصاعدة . القانون الثاني أعاد رسم خرائط النفوذ لتلك القوى ( عهد كميل شمعون) ، وكذلك فعل قانون الستين ( عهد فؤاد شهاب) … إلى أن رفع اليسار شعار التغيير ، من خلال  تعديلات على القانون من شأنها تجديد الحياة السياسية  وتجديد القوى الممثلة للشعب اللبناني ، فاقترح تنظيم الانتخابات التشريعية على قاعدة النسبية واعتماد لبنان دائرة واحدة . قانون الطائف تولى نظام الوصاية تطبيقه، و راح يسمي بموجبه المرشحين الناجحين ويرتبهم في اللوائح – المحادل … ثم قانون الستين مرة أخرى ، مع تعديلات   على آليات التعيين حيث لعب الفرز المذهبي هذه المرة ، الدور الذي كانت تلعبه المخابرات السورية اللبنانية .

رست سفينة الشعار، بعد رحلته الطويلة ،  خالية من أي معنى إيجابي محتمل ، بعد أن شحنت بحمولة مذهبية لم يعرفها تاريخ لبنان ، حتى في أسوأ ظروف الحرب الأهلية. واستقر المعنى على ما سمي “تمثيل المسيحيين” . وليس المقصود بذلك لا القوى ولا العائلات ولا الطبقات ولا الأجيال الجديدة ، الخ. المعنى الوحيد هو كيفية تأمين أفضل الشروط لتعميق حدة الفرز المذهبي والإطاحة بكل عناصر الوحدة الوطنية اللبنانية.

هل يدري رافعو الشعار بمخاطر ما يفعلونه ؟ إن لم يدروا فهي مصيبة ، وكيف إذا هم كانوا يعلمون علم اليقين أنهم يتظاهرون بالتنافس على تمثيل مصالح الشعب ، فيما هم يتنافسون على التجديد لأنفسهم وللطبقة الحاكمة ، فيجددون ، بالتالي ، الأزمة ويطيلون أمدها.

الأخطر في الأمر أنهم ، بكل عين بلقاء، يكثرون من الضجيج الفارغ ، ويمثلون أمام أعيننا مسرحية الخلاف المزعوم على قضايا كبرى ، فيما الحقيقة أنهم مختلفون على القانون الذي يمنح الغلبة لأحدهم على الآخر ، وفي كل الحالات ، تغليب مصالحهم على مصالح الوطن.

والأدهى أن القوانين الوضعية صارت مادة للفتاوى الدينية يطلقها الأكليروس المسيحي والاسلامي بتناسق وتنسيق واتفاق على حصة لهم في النظام مضمونة طالما بقيت مضمونة حصص السياسيين في المجلس النيابي.

الحرص على سن قانون ينقذ الوطن له ترجمة واحدة : اعتماد النسبية( حتى لا يلغي أحد أحدا) ولبنان دائرة واحدة( ليكون الناخب مواطنا والنائب نائبا عن الأمة ) مع الحفاظ على القيد الطائفي (للحفاظ على المناصفة)