24 نوفمبر، 2024

صور الشيعي المشينة

20-3-2014

مقالتي للأسبوع الماضي حملت عنوان “صور الشيعي الكريهة” . قال لي صديقي ، ما بالك تفتئت على الشيعة ، ألست ترى الطوائف الأخرى ؟ القنص والقتل على محاور طرابلس وقطع الطرقات بين سني وعلوي ، قطع العضو الذكري  في الجبل الدرزي، جرائم القوات اللبنانية المسيحية في الحرب الأهلية ، السلفيون والتكفيريون السنة ؟ الخ ، الخ .

سبق لهذا الصديق أن قدم لي الملاحظة ذاتها حين شارك في نقاش كتابي عن الشيعية السياسية، لكنه هذه المرة قالها لي من مكتب مرجعية دينية . قد تكون ملاحظته صحيحة لو كنت أتناول الشيعة في كتابي أو في مقالتي ، لكن الفارق بين الشيعية السياسية والشيعة هو نفسه الفارق بين اللغة السياسية واللغة المذهبية ، ومن الطبيعي ، في مثل هذه الحال أن يستمر سوء التفاهم قائما، إذا ما استمر صديقي يتناول القضية بغير اللغة السياسية .

الشيعية السياسية تيار سياسي يحمل مشروعا وبرنامجا وخطة عمل . أما الشيعة فهم جماعة دينية أو مذهب تشكل عبر التاريخ من بين المذاهب والفرق الاسلامية . إنهم قد يشكلون كيانا اجتماعيا وثقافيا ، لكن رغبة الأحزاب الدينية في التشكل داخل كيان سياسي مستقل ، في ظل المعطيات الحديثة لهذه الحضارة ، يندرج خارج سياق التطور التاريخي ، بل وعلى خط معاد لمسار هذا التطور.

القاتل أو الفاسد أو قاطع العضو الذكري أو بائع المخدرات وصانعها أو خاطف الأطفال والأغنياء وفارض الخوات أو سارق السيارات  ليس ذاك الكائن المؤمن بدين أو مذهب من دين، فالمجرم كائن لا دين له ولا مذهب، بل دينه الإجرام ، وهؤلاء موجودون بين كل الطوائف والأديان وفي كل الدول والأوطان ، ومن الطبيعي والمنطقي ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وألا  تدان الطائفة بجريرة واحد من أبنائها المجرمين .

أكثر من ذلك ، لقد تربينا على قيم ثقافية زرعها فينا الأوائل من كل الطوائف ، جبران ونعيمة والبساتنة وعمر فاخوري ورئيف خوري ، وما زال سؤال شكيب ارسلان النهضوي يحفر عميقا في عقولنا بحثا عن سبب تقدم الغرب وتخلف المسلمين ، وما زلنا نربي أجيالنا الجديدة على أمجادنا الفكرية والعلمية من كل الطوائف ونعتز بحسن كامل الصباح ورمال رمال اعتزازنا بأمين معلوف من غير أن ننتبه إلى دين أي منهم ، ونتباهى بمايكل دبغي وفيليب سرحان طبيبين لامعين على صعيد العالم ، ونرفع رؤوسنا افتخارا بأعلى وسام ملكي قدم لأجنبي في بريطانيا وكان من نصيب الطبيب محمد جواد خليفة ( الذي خجلت الشيعية السياسية بانتسابه إليها ) وبأعلى أوسمة مالية وإدارية علقت على صدر رياض سلامة ، حاكم البنك المركزي ، الخ …اعتقادا منا بأن الفضل في إنجازاتهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم لا يرتبط بدين معين من الأديان ، وربما كان بعضهم لا يؤمن بأي دين .

صور الشيعي الكريهة والمشينة تشبه تلك التي جسدها ، من قبل ، قومي يساري تقدمي  وماروني وسني شيد كل منهم على إيديولوجيته مقاما سياسيا ، واستخدم إيمانه ووظفه في خدمة منظومة الاستبداد التي انتمى إليها وبشر بمبادئها ،  والتي لا تعترف بحق الاختلاف و لا تحترمه.

هي الصور التي شجعت الشيعية السياسية أنصارها على تمثلها ، فصارت نموذجا سائدا وطاغيا ، يشبه ذاك الذي شجعت عليه المارونية السياسية في عزها ، يوم كان يتصرف أصحاب الصور الشائنة وكأن الساحة حل لهم وحرم على سواهم ، ويتعاملون مع سواهم بصلف وعنجهية ، حتى بلغ ببرنامجهم  حد التطرف أن رسموا الوطن على صورتهم ومثالهم ودعوا سواهم من الطوائف إلى مغادرته، الشيعة إلى العراق والسنة إلى الحجاز ومصر ، تماما مثلما يفكر المنساقون وراء مشروع الشيعية السياسية الطائش اليوم ، الذين لا يرون غير مجد وهمي منتظر قادم إليهم من وراء حدود الوطن ومن وراء حدود العقل.

الشيعية السياسية شيء ، والشيعة شيء آخر . وكم من شيعي ، وأنا منهم ، يرفض أن تلبسه الشيعية السياسية لبوس التطرف والتعصب ، وتجعله رهينة نهج انعزالي ، وأسير أوهام متحكمة ببعض القادة السياسيين وبعض المعممين ممن تعمي تفكيرهم جهالة جهلاء ومصالح مالية ومادية وسياسية ضيقة .

نحن الشيعة الذين لم نقبل، ولن نقبل الامتثال للشيعية السياسية ،  نعتز بقيم ورثناها من عادات أهلنا وتراثهم الديني والثقافي والسياسي مثلما نعتز بقيم جميلة تعلمناها من انتمائنا إلى وطن التعدد الطائفي ، وبحياة عشناها مع سائر أبناء الطوائف اللبنانية على مقعد دراسي واحد وتحت سقف قانون واحد وفي ظل دولة مدنية واحدة ،  ولذلك لن نرضى بأن يتحول انتماؤنا المذهبي إلى دين رديف للإسلام وبديل عن الديانات الأخرى ، ولا أن تتحول طائفتنا إلى وطن بديل عن وطننا النهائي لبنان ، أو إلى دويلة تقدم النموذج الأبشع لانتهاك القانون والسيادة الوطنية وتهدد الوطن بوحدته  ودولة القانون والمؤسسات بسيادتها على أرضها وعلى حدودها .