13 أكتوبر، 2024

مع الدولة ضد المؤسسات

28-3-214

فيما يعلن السياسيون حرصهم على الدولة لا يعكسون في تصرفاتهم هذا الحرص . أٌخذ على كلام وزير الداخلية في مؤتمر وزراء الداخلية العرب أنه يعبر عن رأي تيار المستقبل لا عن رأي الحكومة ، وعلى موقف وزير المالية في مؤتمر القمة العربي أنه عبر عن رأيه الشخصي لا عن رأي الوفد الرئاسي ، وعلى خطاب عضو المكتب السياسي لحزب الله في تأبين أحد الشهداء أنه ينفي عن شركائه في الوطن أية فضيلة في الشأن المتعلق ببناء الدولة .

لن نذهب مذهب التشكيك والإدانة ، ولن نناقش صحة المواقف هذه أو التصريحات ، بل نحاول أن نفسر الأمر ونأخذه على المحمل الحسن ونرد ذلك إلى التباس سائد بين مفهومي الدولة والسلطة ، أو إلى ضبابية في فهم معنى الدولة ودورها . وقد ظهر ذاك الالتباس وهذه الضبابية في هذه المناسبات الثلاث، إذ قال عضو المكتب السياسي في خطابه : “الدولة لم تكن موجودة قبل المقاومة، وكان هناك ما يسمى دولة ضعيفة … هزيلة ، فاسدة ، عميلة … ولا نستطيع أن نقول إنه كان هناك وجود للدولة إلا بعد الانتصارات عامي 2000 و2006” ( الصحف 18-3-2014) . أما معالي الوزير فقد علق عضويته في الوفد الرئاسي في مؤتمر القمة العربية في الكويت تضامنا مع النظام السوري ضد المعارضة السورية.

خطاب القيادي في حزب الله  ينفي وجود الدولة جملة وتفصيلا قبل المقاومة ، ثم يستدرك فيعترف بوجودها ، لكن هزيلة وفاسدة وعميلة وضعيفة . هي موجودة وغير موجودة في المقطع الواحد . لا نظن ذلك تعبيرا عن جهل بالمصطلحات الدستورية والقانوية والسياسية، بل عن تفاوت في الدلالة التي يشحنها كل فريق  لتعريف الدولة .

مفهوم الدولة لدى حزب الله ليس مرتبطا بالدستور والقوانين وسيادة الشعب ، بل بتحديدات يوفرها علم ، هو علم الغيب ، الذي ينطلق من الاعتقاد الراسخ بأن الله هو محرك التاريخ ، وليس الانسان ، ولا العلم الوضعي ولا الفلسفة التي انطلقت منها الحضارة الحديثة ، والقائلة بأن العقل البشري هو الذي يحكم العالم ، بل من فكرة قديمة سابقة على ديكارت، تسفّه دور الانسان وعقله وتعتقد بأن المصائر في هذه الدنيا مرسومة في لوح السماء . من الطبيعي ، والحالة هذه ، أن تتحصن الدولة وتستقوي، لا بالشعب ولا بالدستور ، بل بسلاح الإيمان ، فكيف إذا كان الإيمان محصنا بدوره بتنظيم حديدي مدجج بالسلاح الناري ؟

أما وزير الوفد الرئاسي فقد انطلق من اعتبارات أخرى ، بل من تفسير مختلف لمعاني المصطلحات السياسية ، ربما يكون مستوحى من التقاليد التي تعممت وتكرست في عهد الوصاية في ما عرف  بدولة المحاصصة التي ألغت المؤسسات . ذلك أن الوزير غادر الجلسة ، بقرار شخصي ، مع أنه يشارك فيها بصفته عضوا في وفد (مؤسسة)، والوفد عضو في الجامعة العربية (مؤسسة)، وفي هيئة أخرى متفرعة منها إسمها مؤتمر القمة  (مؤسسة) . المؤسسة كيان معنوي قد يجسده وفد أو جامعة أو  مؤتمر أو أية حكومة أو أية هيئة ، وينبغي أن يصبح العضو جزءا منها ، وأن تمايزه عنها وتفرده بآرائه ، إن تمايز وتفرد ، هو بمثابة خروج عليها وعلى قراراتها. هذه بعض تقاليد في إدارة شؤون الدولة تم تكريسها بعد الطائف، فبات أمرا عاديا مثلا أن يعتكف الوزير عن حضور اجتماعات مجلس الوزراء ( المؤسسة)  ويستمر في الحضور إلى مكتبه في الوزارة . أو يخرج الوزير من اجتماع الحكومة( المؤسسة) التي هو عضو فيها ، ليشارك في مظاهرة ضدها  .

شرط نجاح المؤسسة وحدة موقفها وقراراتها . من حق أي عضو فيها أن يتمايز في آرائه وأفكاره ، وإذا رغب في ترجمة ذلك بقرار فعليه أن يستقيل منها حرصا على عدم تفككها وحفاظا على وحدتها.

من نافل القول إن المسؤولية في الدولة تملي على أي مسؤول فيها ألا يمثل حزبه أو كتلته النيابية وألا يعبر عن رأيه الشخصي . حتى في حالة القيادي في حزب الله الذي يحق له أن يكون له موقفه الحزبي الخاص من كل القضايا ، لكن لا يحق له أن يهمل آراء القوى الأخرى ، التي هي ، من غير شك ، آراء مغايرة أو متباينة أو مختلفة  أو متعددة ،وبما أن الدولة كيان معنوي ، فهي ملك الجميع موالاة ومعارضة ، يمينا ويسارا ، سلطة ومجتمعا مدنيا ، ولذلك فهي تمثل المساحة المشتركة بين المختلفين ولا يحميها من الانحياز إلا المؤسسات  وإلا انحرفت نحو دولة الحزب الواحد أو سقطت في أتون الاستبداد .