29 مارس، 2024

“فقه” التجهيل هو من أسلحة الدمار

محمد علي مقلد                                                                          12-08-2013

الأخطر من الهلالين والعيدين والمذهبين والمعسكرين في مناسبتي الفطر والأضحى ، هو أن هذا المنطق حقق نصرا مبينا على الدولة والقانون فأرغم رئيس الحكومة اللبنانية على تشريع الانقسام ، باحتساب عطلة العيد يومين ، معطيا الحرية لكل مذهب في تحديد أول أيام العيد، كل بسحب رغبته أو رغبة جهة خارجية  ، لا بحسب التوقيت القمري ولا بحسب التوقيت الشمسي ، بل بحسب ميل الريح السياسي ومستوى الانحدار الذي بلغه جلهة الفقه وتجار الدين .

ينقل عن اينشتاين قوله : الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين ، بالأسلوب ذاته والخطوات ذاتها، وانتظار نتائج مختلفة . نعم ، الشيء ذاته تكرر على مسامع جيلنا منذ أكثر من نصف قرن ، وكان قد تكرر أمام الأجيال منذ ما يزيد على ألف عام . كان يقف ” خبراء ” من أصحاب التجربة وبعد النظر ، بل “بعد البصر” ، يرصدون ظهور الهلال وإقامته دقائق معدودة قبل أن يختفي وراء الأفق البعيد ، أفق غروب الشمس،  ليعلنوا بدء الصوم ، ومثلها ليعلنوا يوم العيد. وكان أهالي القرى البعيدة عن مقر المرجع الديني، الذين تفصلهم الجبال عن أفق المغيب،  يرسلون على ظهر دابة أو فرس من يأتيهم بالخبر اليقين من مصدره . ذلك كان يحصل يوم لم تكن المواصلات متوافرة حتى بالسيارة والاسفلت ، ويوم كانت وسيلة النقل الوحيدة هي المطي .

تخيلوا ، بعد ثورة المواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية والانترنت وشبكات التواصل ومراكز الابحاث العلمية والمراصد الجوية ، وبعد أن صار باستطاعة المناظير البعيدة ( التلسكوب)  وعلم الفلك احتساب وقت الخسوف ووقت الكسوف بكل الدقة اللازمة ، بالسنوات والشهور والأيام والساعات والدقائق والثواني ، وبالتوقيت الصحيح لكل بلد من بلدان العالم ، ما زالت دور الافتاء تكلف اثنين من الثقاة المعروفين ببعد البصر أن يتثبتوا من رؤية هلال العيد ، وأن يقسموا اليمين تحت طائلة العقوبات في الحياة الآخرة . وبدا كأن مصائر الأفلاك مرتبطة ببصر “المحلفين” الذين لا تخطئ عيونهم حتى لو كانت حولاء أو عوراء ، عيونهم الموصوفة بتفوقها بالدقة على  كل المراصد التي مهدت الطريق لرؤية القمر في فلكه  ، أو كأن  القمر لا يظهر ولا يختفي إلا بقرار من المؤسسات الدينية ! أليس ذلك مهزلة دينية قبل أن يكون مهزلة علمية؟؟؟

هو بالنسبة للدين مهزلة ،  لأن الحظر يرمى على الفقهاء وفتاواهم ولا تباح الفتوى لغيرالذين  يقررون الشأن اليومي في حياة المؤمنين ، أي للذين يسيسون الدين . من أجل ذلك ،  ربما صار على الفقهاء ” الراسخون في العلم ” أن يتنبهوا إلى ما يتسبب به  جاهل ما معمم، من مخاطر عليهم وعلى الدين ، ولا سيما أن النصوص الدينية التي أستمرت حية أكثر من ألفيتين من السنوات فضحت القحط الفكري الذي ترزح تحت وطأته المؤسسات الدينية التي تسيس الدين.

وهو قياسا على العلم هرطقة ،  ولا سيما حين يتنطح معمم حديث العمامة  أو رجل دين عتيق ومجرب في مهنة تسييس الدين ، فيضع نفسه محل عالم الفلك ، ويقرأ لوحة الفضاء كمن يقرأ الأبراج أو يضرب في الرمل ، ولا سيما بعد أن فضحت الاكتشافات العلمية تقصير الأبصار البشرية عن رؤية السماوات السبع وقصر البصائر والمخيلات عن رؤية مئات السنوات الضوئية .

وهو قياسا على العصر ، وهذا هو الأخطر ، عدوان صارخ على وحدة الأوطان . يقدمون العيد يوما أو يؤخرونه ، كأنهم في سوق مزايدة أو مناقصة ، ثم ينتظرون اليوم التالي ليتأكدوا من صحة الرؤية . أما القمر فيدور، ربما من آلاف السنين ،  دورته حول الأرض ويتحول من هلال إلى بدر إلى محاق ، مكررا القانون ذاته ، ومكررين المهزلة ذاتها، مهزلة تضليل الدهماء وسوقهم إلى بؤرة التعصب المذهبي .

طريقة واحدة تضع حدا لهذه المهزلة والهرطقة وذاك الخطر ، تتمثل في أن تتولى الدولة اتخاذ القرار، استنادا إلى تقارير المراصد الفلكية والعلمية ، بتحديد لحظة  ظهور الهلال في أول الشهر القمري ، وإعلان أول أيام  العيد ، وتحديد العطلة الرسمية ، واعتبار أي انتهاك لهذا القرار من أية جهة دينية بمثابة اعتداء على القانون وتهديد للوحدة الوطنية وسوق المنتهك إلى عدالة المحكمة .