22 نوفمبر، 2024

كلام صريح مع النقابيين

 26-2-2013

سلسلة الرواتب والأجور حق لأصحابه يفرضه ارتفاع أكلاف المعيشة ومعدلات التضخم . والإضراب حق نص عليه القانون. مسلمتان لا جدال فيهما ، ولكن!

قبل بضعة عشر عاما حصل موظفو القطاع العام في لبنان على سلسلة جديدة للرواتب . وقبل ذلك كانت الحكومات تقر زيادات غلاء معيشة تحت ضغط الاضراب. مع كل زيادة في الأجور كانت ترتفع الأسعار بما يجعل الزيادة تتآكل خلال أشهر ( هذا إذا لم يكن التآكل وارتفاع الأجور والأسعار على خطين متوازيين) .

 في البلدان الديمقراطية عطلت الحكومات  أسلوب الاضراب لزيادة الأجور ، وحولته إلى واحدة من ذكريات الزمن الجميل ، لأنها صارت تعتمد ، بطريقة أو بأخرى ، سلّما متحركا تزاد بموجبه الأجور بما يوازي نسبة التضخم ، وذلك حفاظا على نسبة عالية من استقرار مالي يحافظ بدروه على استقرار سياسي مواز. وبذلك خرجت مسألة الأجور من قائمة المطالب التي لا تتحقق إلا عن طريق الإضراب. أما في الدول غير الديمقراطية فلا أحد يطالب ولا سلالم أجور ولا من يحزنون ، والرزق على الله.

النظام اللبناني ( نظريا) ديمقراطي ، يعني أن الإضراب حق ، آليات الاقتصاد فيه رأسمالية يعني أن على رأسمالييه (نظريا) أن يقتدوا بالديمقراطيات الكبرى . لكن ذلك لم يحصل ، وهذا ما لم تنتبه له الطبقات الكادحة من ذوي الدخل المحدود ، مع أن الخدعة باتت واضحة : الرأسماليون في بلادنا لا يقررون، وأوكلوا هذا الحق لسياسيين، في السلطتين التنفيذية والتشريعية ، لم يتحدروا من السلالة الرأسمالية ولم يتبوؤا مواقعهم في هرم النظام السياسي بالاقتراع الحر ( إلا من حيث الشكل) ، بل هم اغتصبوا السلطة إما بالوراثة أو بالتعيين ، في ظل آليات مركبة في اختيار الحاكم ، ابتدعتها أنظمة الاستبداد المحلية والعالمية ، من بينها تحويل الطوائف إلى أحزاب وادعاء استخدامها منابر مدنية في دولة ديمقراطية .

من يسرق حق أصحاب الدخل المحدود ، أصحاب المال أم أصحاب السلطة ؟ الطرفان تواطآ على قسمة عمل واضحة ينال بموجبها المال كامل حريته في الاستثمار والاستغلال ، مقابل حرية كاملة للسلطة في إدارة الفساد ، ما يشوش أمام الطرف الثالث خط التصويب ، ضد السلطة السياسية أم ضد الهيئات الاقتصادية .

بلغ الفساد السياسي في لبنان درجة غير مسبوقة من مظاهره اغتصاب أهل السلطة مؤسسات المجتمع المدني وتحويلها إلى منصات موازية لمنصاتهم السياسية ورديفة لمؤسساتهم الحزبية. فتواطأت الأحزاب على تمثيل نفسها في الحكومة وفي الاتحاد العمالي العام ، كما في رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية وفي هيئة التنسيق النقابية ، الخ . فيما استمر الخلاف ظاهرا بينها داخل بعض نقابات المهن الحرة فحسب . هذا فضلا عن فساد بالجملة مارسه أهل السلطة للقضاء على أهم مبدأ في الأنظمة الديمقراطية ، عنينا به الفصل بين السلطات ، بحيث كادت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تتحول إلى نسخ طبق الأصل عن بعضها البعض . وكاد الأمر يطال السلطة الرابعة ، سلطة الإعلام ، لاسيما المرئي منه.

لقد بات واضحا أن الفساد السياسي هو بؤرة كل الأزمات ، في الاقتصاد والتربية والتعليم ، في الجامعة اللبنانية ، في النقابات ، في الكهرباء ، في النظام الضريبي ، في الطاقة والنفط ، الخ ، الخ. وبات التوصل إلى أي حل مستحيلا من غير الباب السياسي . يقول أهل القطاع العام إن إغلاق بابين فقط من أبواب الفساد والهدر يوفر موارد مالية لتغطية سلسلتي رواتب: الجمارك والأملاك البحرية . يذكرون ذلك في الخطب والبيانات وفي اختيار أماكن التجمع في المظاهرات والاعتصامات . فمن يا ترى ، يشرع هذين البابين ، السياسيون أم الهيئات الاقتصادية ؟ وعلى من ينبغي التصويب؟

إن صح ذلك ، فهل يجوز أن تغض النقابات النظر عن أهل الفساد السياسي والمالي والتعليمي لمجرد وجود ممثلين لأحزاب الفساد في السلطة كما في النقابات؟؟