19 أبريل، 2024

لوبي لبناني ، متحدرون ، مغتربون

محمد علي مقلد                                                                   13-5-2013

  اللبناني مصاب بنوعين متلازمين من الألم : رغبة في البحث عن إقامة وعمل خارج لبنان ، وحنين دائم إلى الوطن يبدأ من لحظة المغادرة. من يغادر إلى غير أفريقيا والخليج العربي يحفظ خط الرجعة لنفسه فقط لا لأبنائه وأحفاده. هؤلاء بدأوا يتحولون إلى متحدرين من أصل لبناني منذ بداية القرن الماضي ، على امتداد ثلاثة أجيال أو أربعة ، ووصل بعضهم إلى مراكز القرار في بلدانهم الجديدة ، نوابا ووزراء وموظفين كبارا بل رؤساء سلطات محلية ورؤساء دولة  ومرشحين للرئاسة ، الخ.

الحافظون خط الرجعة هم مغتربون يتناتشهم سياسيو لبنان ويتقاسمونهم ويتحاصصونهم ، ففرضوا عليهم الانقسام على الطريقة اللبنانية ، وباتت جامعة المغتربين جامعتين ، إحداهما للشيعة، خصوصا الأفارقة منهم ، والثانية للمسيحيين خصوصا الأميركيين منهم .

اللبنانيون ليسوا الشعب الوحيد الذي أمعنت الظروف السياسية في تشريده . الفلسطينيون ، الأرمن ، اليهود ،  الخ . لكنهم الوحيدون الذين دفعوا وما زالوا يدفعون ثمن انحدار الإدارة السياسية في وطنهم ، فيما وقعت الشعوب الأخرى ضحية أطماع خارجية. وهم الوحيدون الذي يحمّلهم سياسيو بلادهم ، حيثما حلوا وارتحلوا ، انقسامات محلية في وطنهم الأم  يخجلون بها في محل إقاماتهم الجديدة، وسرعان ما يستعيدونها في رحلة العودة على أول درجة من سلم الطائرة.

قرن كامل لم تنجح فيه عملية تطبيع للهجرة اللبنانية ، على غرار  ما حصل مع الشتات الأرمني أو اليهودي أو الفلسطيني ، مع أن اللبنانيين أكثر انتشارا من سواهم ، فهم موزعون في القارات الخمس ، من أوستراليا حتى اميركا ، وبلغ بعضهم درجات عليا في مراتب السلطة ( حتى في المجر فاز لبناني بعضوية المجلس النيابي) .

فشل عملية التطبيع يعني أن المهاجرين لم يتحولوا إلى لوبي لبناني حيث يقيمون ، لم يتحولوا إلى قوة ، ولم يترجموا قدراتهم المشتتة إلى فعل ذي تأثير ، لا في وطنهم مع أنهم يشكلون مصدرا للثروة الوطنية من خلال تحويلاتهم المالية ، ولا في البلدان التي حلوا فيها مع أن إمكاناتهم ، إذا ما تضافرت جهودهم ، كبيرة وفاعلة ومؤثرة ويحسب لها حساب .

الشرط الأول لتكوين أي لوبي في الخارج هو شعور المغترب بأن ظهره محمي في بلاده ، بسلطة تجسد سيادة الوطن في كل مكان على أرض لبنان أو خارجه ، وتشكل مرجعا يعود إليه في الملمات وقوة يستند إليها في الأزمات ، وبأن حكومة بلاده ستوظف طاقته لمصلحة الوطن العليا ، بدل أن تبددها وتتحاصصها ، وشعوره بأنتمائه إلى بلد واحد موحد لا تؤثر فيه الانقسامات والاختلافات والخلافات السياسية ، مهما تعاظمت ، على قداسة الانتماء إلى وطن .

على جواز السفر الأميركي تقرأ العبارة التالية : الدولة الأميركي مسؤولة عن حماية صاحب هذا الجواز أينما حل على الكرة الأرضية ، في حين يحاط جواز السفر اللبناني بالريبة في مطارات العالم ، لا بسبب انتهاك بعض اللبنانيين قوانين بعض الدول ، بالعمل في السوق السوداء أو انخراطهم في الصراع ضد ” الامبريالية والاستعمار والشيطان الأكبر” ، بل قبل ذلك ، لأن المتسلطين على مقدرات الوطن والمتحكمين بمفاصل الدولة يقدمون النموذج السيء والفاسد في إدارة البلاد ، حين يعبثون بوحدة الوطن ويتوزعونه على دويلات على مقاس أحلامهم الوضيعة ومصالحهم الضيقة . إن ما يرتكبونه في الداخل بحق الوحدة الوطنية ينعكس على وضع المغتربين ويضعف ثقة هؤلاء بالوطن ، وينتج تشتتا في الخارج هو انعكاس للتشتت الداخلي .

التطبيع الذي لا بد منه ، يتطلب أمرين ، الأول هو الكف عن الكلام عن لبنانين اثنين ، مقيم ومغترب . لأن فيه شيئا من التمييز يراه المغترب لصالحه لما يملكه من امكانات وما يقدمه من تحويلات، ويراه المقيم لصالحه لأنه يجسد التمسك بالأرض . ذلك أن كثيرين من المغتربين أكثر حرصا على الوطن من بعض المقيمين فيه ، وخصوصا أولئك الذي يفضلون على لبنان انتماءات أخرى ، ما دون وطنية وما فوق وطنية ، والذين استسهلوا استدراج الخارج والاستقواء به لضرب الوحدة الوطنية.

أما الأمر الثاني فهو العمل على تأمين حصانة للمغتربين وحمايتهم  بقيام نظام لبناني يتجاوز الانقسامات والمحاصصات الراهنة ويحصن الوحدة الوطنية ويحميها ، ويبني دولة القانون والمؤسسات .