19 أبريل، 2024

مع ذلك … إنه الربيع العربي(2)

محمد علي مقلد                                                                        18-2-2013

بعض الأصدقاء أخذوا على مقالتي التي حملت العنوان ذاته في الأسبوع الماضي اعتبارها الانتفاضة التي انطلقت مع بوعزيزي أول ثورة في التاريخ العربي منذ الثورة الاسلامية .

ليس هذا هو الالتباس الوحيد المحيط بهذا الحدث التاريخي الكبير الذي بدأ في  تونس ولن يتوقف عند الحدود السورية.

لقد عرضت الرأسمالية على دول العالم العربي أن تنتقل من مرحلة الحضارة الإقطاعية الزراعية ، أو نمط الانتاج الخراجي ( بتعبير سمير أمين) إلى حضارة مختلفة ، جديدها في الاقتصاد جعل الصناعة الركن الأساس بدل الأرض والزراعة ، وفي الثقافة العلم والجامعات والموسوعات والعقل الديكارتي بدل علم الغيب والماورائيات ، وفي السياسة قلب صفحة الأنظمة الوراثية وسلوك طرق تؤول إلى قيام أنظمة ديمقراطية مبدأها تداول السلطة والانتخابات .

لم يكن هذا العرض سلميا في كل فصوله ، فقد توسلت آليات التوسع الأفقي للرأسمالية كل السبل والأساليب لكي تنتشر في أربع جهات الأرض ، فلا الوسائل ذاتها استخدمت في كل مكان ولا ردود الفعل ذاتها حصلت في كل مكان . في الشرق ، كادت اليابان أن تكون الوحيدة التي أنقذت نفسها من الاحتلال المباشر . أما العالم العربي فقد كان خاضعا لسيطرة ملتبسة من جانب السلطنة العثمانية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية ، ولذلك كان من الطبيعي أن ترث تركة الرجل المريض الدولتان الأوروبيتان المنتصرتان في الحرب ، بريطانيا وفرنسا . ومع أن وجودهما المباشر لم يدم طويلا إلا في المغرب العربي ، وبالرغم من نيل الدول العربية استقلالها بعد أقل من عقدين ، فإن طريق الانتقال إلى المرحلة الحضارية الجديدة ، الراسمالية ، لم تكن سالكة من كل المعابر .

دخلت دول العالم العربي في المنظومة الرأسمالية من البابين الاقتصادي ( مواصلات وصناعات وغيرها ) والثقافي ( مدارس وجامعات حديثة ومكتبات وغيرها) لكن دخولها من الباب السياسي كان متعثرا، إذ سرعان ما انهارت الديمقراطيات الناشئة في بعض الدول(سوريا ، مصر ، العراق ، السودان ، الخ  ) ، وليس في كلها ، وذلك تحت وطأة نهوض قومي شوفيني معاد لل “استعمار ” ، ثم تحت وطأة النكبة الفلسطينية التي حملت بريطانيا وزرها ، فقامت انقلابات بقيادة ضباط في الجيوش المهزومة ، كان من أولى نتائجها القضاء على بذور الديمقراطية والتأسيس لدكتاتوريات عسكرية أو لأنظمة وراثية اعتمدت تعليق الدساتير والحكم بقوة الأحكام العرفية، ليتعمم نمط واحد من أنماط الحكم ، هو ذاك الذي كان سائدا قبل قيام الحضارة الرأسمالية ، والذي لا يعترف بالديمقراطية ، أي بحكم الشعب ، فتحولت الانتخابات في ظل ذاك النمط إلى صيغة جديدة من التوريث أو التعيين استكملت بها لوحة الوراثة الملكية والسلطانية من المحيط إلى الخليج.

زاد في الطين بلة انتشار أفكار اليسار الماركسي الذي لم يكتف فحسب بالتركيز على المعضلات الاقتصادية ، والاتفاق مع الحركة القومية العربية على اعتماد مشروع اقتصادي تحت مسمى الاشتراكية ، بل تحالف معها على محاربة الغرب  بكل “الأعراض” الرأسمالية والاستعمارية  التي ظهرت عليه، وعلى وجه الخصوص ، بسبب موقفه المنحاز لصالح الكيان الصهيوني ضد القضايا العادلة للشعوب العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية .

أخذا بالاعتبار أن الانتقال السياسي من نمط إلى نمط يشكل الضمانة الاساسية لعمليات الانتقال الأخرى ، وهي حقيقة تأكدت بالدور الذي لعبته الثورة الفرنسية في تعميمها الانتقال السياسي ، ليس في فرنسا وحدها بل في كل أوروبا ، من الحكم الوراثي إلى تداول السلطة بالآليات الديمقراطية التي لم تبلغ مرحلة نضجها إلا غداة الحرب العالمية الثانية ، يمكن القول إذن أن الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وسوريا هو أول ثورة حقيقية للنظام الذي أسسه معاوية ، ذلك أن المطلب الوحيد الذي رفعته ثورات الربيع هو  الديمقراطية وتداول السلطة . لا قضية فلسطين ولا القضية الاجتماعية الاقتصادية ، على أهميتهما ، كانتا على جدول عمل الثورات العربية . فقط محاربة الاستبداد الرابض على صدر الأمة.

أفلا يصح القول بأنها الثورة الأولى ، وبأن ماعداها ليس سوى انقلابات ؟