22 نوفمبر، 2024

استبداد برلماني

محمد علي مقلد                                                        15-4-2013

في تاريخ الدول والبلدان حالات كثيرة تم فيها حل البرلمان وتعليق الدستور . ربما كان الدستور العثماني أول ضحية في منطقتنا ، إذ إن مجلس المبعوثان لم يلتئم سوى مرة واحدة . الملك الأردني حسين ، جمع أول مجلس نيابي منتخب مرة واحدة ثم منحه إجازة لا نهاية لها . الانقلابات العسكرية في العالم العربي كانت باكورة قراراتها حل المجالس النيابية . وفي لبنان عينة من ذلك يوم أقدم ميشال عون ، بصفته رئيسا للحكومة المؤقتة ، على حل المجلس النيابي .

حل المجالس النيابية المنتخبة وتعليق أعمالها وتعليق الدساتير هي من أعراض التخبط في رسم صورة الأوطان . وهي ، قبل ذلك ، حماقة يرتكبها مستبد غير عادل ، بحق الديمقراطية والمؤسسات الدستورية . لكنها، في لبنان،  تتحول إلى ظاهرة سوريالية، لا تطالها كل المخيلات،  حين يكون الجاني هو ذاته المجلس النيابي ، الرمز الأبرز للمؤسسات ولدولة المؤسسات . هذا ما راح مجلسنا النيابي يناور من أجل إقراره ، ثم حار ودار ، ليحل نفسه ويوقع البلاد في الفراغ الدستوري ، إذ ليس تعليق القانون الانتخابي أو تعليق مهله إلا الاسم المستعار لتعليق الدستور.

كل فريق من الطبقة السياسية اللبنانية يريد التجديد لغلبته، والرغبة في ذلك مؤصلة في النفوس ، لأنها سليلة أنظمة الاستبداد القديم ، ثم واتاها الحظ فتلقحت بنماذج من استبداد الانقلابات العسكرية والحركات القومية والأحزاب اليسارية ، ونجم عن هذا اللقاح العجيب صيغة مبتكرة من الاستبداد لا تفتقر إلى دعم واسع وتأييد في عقول الدهماء ، فيصير التمديد للمجلس النيابي أقل كلفة من ورشة انتخابات لن تكون نتائج جديدها مغايرة لما في قديمها .

المهمة الدائمة التي طرحت أمام كل مجلس نيابي جديد ، بعد الطائف ، وأمام كل الحكومات ، هي وضع قانون جديد للانتخابات النيابية . حكومة واحدة أنجزت مهمتها وقدمت مشروعها ، في حين اعتادت المجالس النيابية على تأجيل البحث، لأنها كانت ، في فترة الوصاية ، ممنوعة من البحث أو حتى من مجرد التفكير بمثل هذه القضايا ، لأن هناك من يفكر عنها ، ثم خلت ، ما بعد الوصاية، من المشرعين ، وأقفلت أبواب البرلمان إلا لجلسات تتراوح جداول أعمالها بين الدردشة واللقاء الاسبوعي مع رئيسه ، ومؤتمرات صحافية للشتم والشتم المضاد. ولم تكن تلك المجالس تسارع إلى نقاش قانون انتخابي جديد إلا قبيل الموعد الدستوري بقليل ، فيتأجل البحث بداعي ضيق الوقت .

خمس مرات حصلت الانتخابات بعد الطائف ، ولم يطبق فيها ما ورد في دستور الطائف بخصوص قانون الانتخاب الجديد، بل كانت تحصل الانتخابات في كل مرة بناء على قانون يقر ” لمرة واحدة وأخيرة ” ويفصّل على مقاس مفاتيح الوصاية والنظام الأمني اللبناني السوري: منطقة على أساس القضاء ، وأخرى على أساس المحافظة ، وثالثة على اساس دمج المحافظات . وينجح نائب بمئات الأصوات في منطقة وآخر بعشرات الآلاف في ثانية. من يدرج إسمه في اللائحة ينجح ، بما يفوق مئة ألف من الأصوات ، وحين لا ينال بركة الدخول في اللائحة تنآى عنه تلك الآلاف ويسقط في الامتحان. ما عدا مرة واحدة بدا فيها كأن القانون لم يعد من صنع الوصاية ، أو كأن اللبنانيين انتفضوا ولم يقبلوا بأن يفكر عنهم أحد ، فكان ما سمي بقانون الستين، الذي لم يكن يختلف كثيرا عن سواه .

قد يكون أمرا مفهوما ، وإن لم يكن مبررا ، تواطؤ الأطراف السياسية على إقرار قانون الستين مع تعديلات سخيفة ، وقد تنطلي على الدهماء تمثيلية  النزاع الظاهري على سن قانون جديد للانتخاب،لكن ما هو خارج أي منطق ، وخصوصا منطق دولة القانون والمؤسسات ، أن تتولى المؤسسة الدستورية الأولى ، المجلس النيابي ، تعليق الدستور.

من حظ لبنان ، هذه المرة ، وجود رئيس للجمهورية أمين على قسمه في الحفاظ على الدستور، فحال دون ارتكاب المشرعين هذه الحماقة الاستبدادية .