22 نوفمبر، 2024

فضيحة النزوح السوري

22-8-2014

ليست المرة الأولى التي يكون فيها للسوريين وجود بشري كبير في لبنان . غير أنه ، هذه المرة ، يرتدي شكلا استثنائيا . ففي الأحوال العادية كان عدد السوريين العاملين يقدر بمئات الآلاف . هذه المرة فاق المليون . وفي كل المرات ، ومنها الأخيرة ، لم يكن الاحصاء دقيقا ، بسبب عدم ضبط الحدود بين البلدين .

وجود العمالة السورية ظاهرة موضوعية كانت تتطلبها حاجة النظام السوري إلى حل مشكلة البطالة وحاجة الاستثمارات اللبنانية إلى اليد العاملة المتدنية الأجر ، أما الوجود السوري الاستثنائي ، هذه المرة كما في كل مرة، فهو نتيجة أسباب متعددة ومعقدة ، لكن الثابت الدائم فيها هو الدور اللبناني.اللبنانيون هم الذين يجعلون الظاهرة السورية في لبنان ظاهرة استثنائية ، ثم يحملون سواهم المسؤولية عن النزوح وعن معالجة آثاره .

نشأت مخاوف من أن تتحول الكتلة البشرية الكبرى من النازحين السوريين، في المستقبل، إلى أقلية جديدة في لبنان ، تشبه سائر الأقليات التي تعاقبت على السكن فيه، وصارت، مع بداية القرن الماضي، شعبا موحدا من حيث الشكل، أو تشبه تلك التي امتنعت عن الاندماج أومنع عليها ذلك، وسكنت تحت اسم اللاجئين الفلسطينيين. لكن الوجود السوري يختلف عن مثيله الفلسطيني في كونه يعيش نزوحا موزعا على كل المناطق والمدن والقرى اللبنانية، أي من غير مخيمات أو تجمعات.

  طرح النزوح السوري على بساط البحث كل ما يتعلق بسايكس بيكو، وخصوصا وضع الكيانات القطرية ، ولا سيما بعد إعلان خلافة داعش الاسلامية في العراق والشام، فقيل كلام كثير عن إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، وتفكيك الحدود الراهنة للدول القائمة. وبالتالي فإن هناك من يعتبر النازحين بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الكيان اللبناني وتؤدي إلى تفكيكه، فتبنى المواقف على أساس المخاوف ، وتستحضر عنصرية كريهة ضد أي وجود “غريب ” وسوري على وجه الخصوص. لكن! من يفسر أزمات لبنان بالحدود المصطنعة، كيف سيفسر أزمة سوريا وأزمة العراق ؟

الأردن هو الأكثر هشاشة بين بلدان العالم العربي إذ يفتقر إلى تاريخ وإلى جغرافيا. مع ذلك           صمد أمام أزمتين كبيرتين ، أمام عاصفة أيلول الأسود وأمام موجة الربيع العربي ، وكان صموده ناجما عن تماسك داخلي في جسد الدولة لم يكن متوافرا في لبنان .

من ناحية أخرى ، يضاف النزوح السوري إلى بضع عشرة طائفة في لبنان، فيستخدمه البعض مادة جديدة للتخويف من التنوع ، ويتم بالتالي توظيفه للدعوة إلى انصهار تحت راية الوحدة الدينية أو الحزبية أو القومية ، وهي وحدة استبدادية في جميع الأحوال.

قد يكون التنوع مادة للفتنة ، كما قد يكون ثروة ثقافية ،وذلك تبعا لطريقة التعامل معه. الولايات المتحدة الأميركية (ويقال الهند) هي أكثر بلدان العالم تنوعا من حيث اللغة والدين والانتماء الإتني والقومي،الخ. ، ولم يشكل التنوع خطرا عليها، وربما عصفت بها أزمات شتى لكن أيا منها ليس ناجما عن التنوع والتعدد. أيا يكن شكل التنوع وحجمه، المساواة أمام القانون هي وحدها الضمانة لاستثمار التنوع في تطوير البلاد ، أية بلاد ، بدل استثماره في تنظيم الحروب. بهذا المعنى ، لا يخشى على الوحدة الوطنية اللبنانية من إضافة النزوح السوري إلى تنوعه ، بل الخشية من إيديولوجيات تدعو إلى إلغاء التنوع وتعميم سياسة الاستئثار بالسلطة ، أو من نظام يلغي الكفاءة وتكافؤ الفرص ويعتمد المحاصصة وتقاسم السلطة. بعبارة أخرى، المسألة متعلقة بإدارة التنوع، لا بعدد العناصر التي يتشكل منها التنوع. فلا خوف على لبنان من النازحين السوريين مهما بلغ عددهم ، بل من النظام السياسي الذي سيدير شؤون كل المقيمين على أرضه لبنانيين وغير لبنانيين.

تفسير الأزمات المستعصية بالعوامل الخارجية ( منذ بداية النهضة ونحن نطرح السؤال نفسه : لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟) يبلغ ذروته حين توضع إسرائيل على رأس العوامل. إن التذرع بعنصرية الكيان الصهيوني وعدوانيته وبكونه آخر ما تبقى من الاستعمار في العالم، لا يكفي لتفسير الحرب الأهلية في الجزائر وتفكك الصومال والسودان وتخلف دولة الخلافة الاسلامية والمجتمعات في ليبيا وأفغانستان ودوام الانظمة الاستبدادية في بلدان عديدة، وخصوصا في الجمهوريات الوراثية ، أو في بلدان يتم اختيار حكامها بالتعيين أو بالتمديد كما هي الحال في لبنان. تعليق أزماتنا على المشجب الصهيوني أو الأميركي أو الغربي لم يعد كافيا للتغطية على رداءة أنظمة الحكم الاستبدادية القائمة في عالمنا العربي ، بما فيها النظام اللبناني.

لذلك ليس من المبالغة القول إن النازحين السورين لا يتحولون إلى أزمة إلا لأن  النظام اللبناني عاجز عن إدارة شؤونهم بطريقة سليمة. وإلا فلماذا لم تشكل ظاهرتهم أزمة لا في الأردن ولا في تركيا ؟

في ظل السطلة اللبانية القاءمة لا حل لأزمة النازحين ولا لسواها المتحدرة من أزمة النظام اللبناني. نقطة البداية في طريق الحل، إعادة بناء الدولة ، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص وتداول السلطة والعدالة والديمقراطية.  حتى ذلك الوقت تبقى الحلول الترقيعية وحدها المحتملة .