25 نوفمبر، 2024

ربيع البرلمان

محمد علي مقلد                                                                      3-6-2013

تبريراتهم لتمديد ولاية البرلمان ليست واهية فحسب ، بل هي تنطوي على حجم كبير من تزوير الوقائع والتمويه على الحقيقة .

  1. عدم تمكنهم من التوصل إلى صوغ قانون جديد للانتخابات هو مجرد زعم ، لأنهم توافقوا على عدم الاتفاق ، صراحة إن لم  يكن بالتواطؤ. ألم  يكن التداول بمخرج التمديد قد  بدأ قبل أكثر من عام ، في أوساطهم  كما في وسائل الاعلام ؟
  2. برلمانهم اعتاد ، تحت حكم الوصاية ، أن يوكل مهمته إلى الجهاز الأمني اللبناني السوري وأن يتخلى عن دوره المثلث : التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها . ألزموه بأن  يقصر عمله على تنفيذ قراراتهم ، فصار التواكل جزءاً من وظيفته ، حتى إذا ما زال عهد الوصاية وجد نفسه جاهلا بأصول العمل البرلماني ، متباهيا ، في ظل افتقاره لوجود مشرعين من بين أعضائه ، بأنه يتعاقد مع مشرعين ويستعين بالقضاة حين كانت تدعو الحاجة إلى التشريع .
  3. عوّده حكم الوصاية على تأجيل البحث بالقوانين الانتخابية إلى ما قبل موعد الانتخابات بقليل ، ثم يباشر نقاشها بعد فوات الأوان لأن هناك دائما من ينوب عنه فيقرر ويشرع ولا يبقى له إلا المصادقة على قرارات سواه . حصل ذلك في كل الانتخابات السابقة بدءا من القانون الذي أقر في الطائف ولم ينفذ ، ثم في قوانين 92،96،2000،2005 ، أما في عام 2009، وبحكم العادة ، فقد أعفي البرلمان من واجبه وتولى مؤتمر الدوحة المهمة هذه المرة ، وكانت العودة الميمونة إلى قانون الستين.
  4. بعد أن  تخلى عن دوره في مراقبة الحكومة ومحاسبتها ، صار  يتصرف كأنها هي المسؤولة عن مراقبته ومحاسبته، ذلك أن الحكومات ما بعد الطائف كانت كأنها هي المجلس النيابي مصغرا ، لأن القوى الممثلة فيه هي ذاتها التي  كان يتشكل منها مجلس الوزراء ، فيبدوان كأنهما هيئة واحدة تشبهان اللجنة المركزية والمكتب السياسي  في التنظيم الهرمي في الاحزاب الشمولية ، حيث تتناسب صلاحية اتخاذ القرار طردا ، مع ضيق الدائرة وعلو درجتها في سلم التراتب الهرمي، وصولا إلى حصرها في رأس الهرم . لذلك كان يبدو المجلس النيابي في ظل الوصاية مختصرا، برئيسه مثلما كانت تختصر المؤسسات الدستورية كلها بالعقل المدبر في أجهزة المخابرات.
  5. المرة الوحيدة التي بين فيها المجلس النيابي أنه “سيد نفسه” ، هي تلك التي تولى فيها رئيسه إقفال أبواب البرلمان، رافضا مناقشة مشروع القانون الذي أعدته الحكومة المعروف بمشروع فؤاد بطرس ، موكلا إلى الميليشيات احتلال الشوارع وتعطيل الحياة العامة ، إلى أن اقترب موعد الانتخابات فكان قانون الدوحة .
  6. هناك من أحصى عدد الساعات التي تفرغ فيها نوابنا لاجتماعات المجلس الموقر ولجانه ، وعدد المشاريع المطروحة على النقاش وعدد مشاريع القوانين المقترحة والمحالة على رئاسة الجمهورية ، الخ …وكانت النتيجة مخيبة جدا ، إذ بدا ممثلو الأمة عاطلين عن العمل ويتقاضون رواتبهم الضخمة من أموال الشعب ليحصروا عملهم الأسبوعي في مبنى البرلمان بالتناوب على المنصة لعقد مؤتمرات صحافية يتبادلون فيها التهم والشتائم.
  7. العدد الأكبر من النواب الممدد لهم لم يكن لهم أي دور في الحياة العامة في البلاد ، ولم يدلوا بأي تصريح ، وبعضهم اكتفى بقراءة بيان كتلته أو الدفاع عن مواقفها على الشاشات ، أو تبرير قرارات وزرائها المغمسة بالفساد. فوق ذلك ، بعد أن انتزعت من النائب صلاحياته وواجباته في التشريع والمحاسبة والمراقبة ، بات هو مادة للمحاسبة ، لا من قبل الناخبين بل من قبل رئيس اللائحة وصاحبها ، فيفوز بالنيابة من يحوز على رضا الوالي. يجزيه مالا وطاعة فيجزيه مقعدا.
  8. داهية الدواهي هي أن المجلس مدد لنفسه بذريعة الحرص على استقرار البلاد .  ربما هو في حاجة لمن يخبره أن القوى السياسية الممثلة فيه ، والعاجزة عن صوغ حلول لأزمة الوطن هي المسؤولة عن تخريب الاستقرار، لأنها لا يعنيها أمر تجديد الحياة السياسية ، بل هي لم تعدم وسيلة لتخويف الناس بمستقبلهم الأمني والاقتصادي والسياسي بهدف تثبيت ممثليها في السلطة.
  9. التمديد أشد خطرا على مستقبل البلاد من أي وضع أمني ، لا لأنه يعني تمديد الأزمة وأسبابها ونتائجها ، بل لإنه الإمعان في تضليل الناخبين وتحاصص ثروة البلاد المادية ، وممارسة أبشع أنواع الاستبداد المقنّع

سيكون للبنان ربيعه أيضا ، والبداية من حرق التقاليد الاستبدادية التي زيفت القيم البرلمانية. فهل من بوعزيزي يشعلها تحت تلك القبة؟