22 نوفمبر، 2024

نحن لنا شروطنا لتشكيل الحكومة

محمد علي مقلد                                                                        4-11-2013

ثلاث  ثمانيات أو ثلاث عشرات أو تسعتان وستة … أرقام كتلال المعارك أو أسماء الأسلحة أو كرصاص البنادق ، يطلقها المتخاصمون على خطوط تماس وهمية. أو هي بالأحرى قذائف عشوائية تقع بعيدا جدا عن المتخاصمين  وموجهة لتصيب سواهم .

أرقام . لكنها لا تحيلك إلى دفاتر شركات مساهمة أو بنوك ، بل إلى حسابات دكاكين. دكنجية يرطنون لغة سياسية يعلو الغبار بضائعها العتيقة المعروضة على رفوفها ، لغة ليس فيها من فنون المناورة ما يكفي لستر خوائها من الدبلوماسية وأصول اللياقات وآداب الحوار .

سياسيونا كانوا أرقاما في حسابات نظام الوصاية ،إلى أن حولوا الشعب اللبناني كله إلى أرقام في المظاهرتين الآذاريتين في 8 و14 ، وحولوا تاليا الدولة بكل مؤسساتها: لنا هذه الوزارة ولكم تلك . لنا المدير العام ولكم رئيس المصلحة ، لنا ولكم سيادة نتقاسمها ونبددها وندوس على القانون والدستور ، السيادة بدعة لكن الوزارات السيادية حقيقة دامغة لا يمسها إلا المطهرون المباركون من نظام الوصاية…. لغة فيها كل شيء إلا مفردات القانون والدستور. فيها التهديد والتهويل والتمنين … فيها المتاريس والتراشق والتحريض المذهبي … فيها المحاصصات والسمسرات والصفقات … فيها الخطابات الحماسية والتصريحات الخنفشارية والبيانات اللولبية ، فيها كل المجازات والاستعارات والكنايات  إلا مفردات رجال الدولة  ، فيها كل شيء ، كل شيء ،إلا دولة القانون والمؤسسات.

نعم ، نحن أيضا لنا شروطنا .

 دولة القانون (الدستور) والمؤسسات  تعطي لرئيسي الجمهورية والحكومة الحق في تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب ، استنادا إلى استشارات غير ملزمة . أما دولة الأنكشارية فالميليشيات فيها هي التي تختار طريقة توزيع  الحقائب وأعداد الوزراء، وتنتزع من الرئيسين كل صلاحيات تشكيل الحكومة فتجعل كلا منهما “باش كاتب” عند المتنفذين ، كما لو أننا في أيام البيان رقم واحد والأحكام العرفية .

أول شروطنا هو رفع حالة الطوارئ وإعادة العمل بالدستور ورفع يد الميليشيات عن عملية تشكيل الحكومة ، وإعادة الحقوق لأصحابها وإطلاق يد الرئيسين في تحديد حجمها وفي تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب … أو أن يعتذر المجلس النيابي عن الإجماع الذي منحه لرئيس الحكومة المكلف ، أو أن يتدرب على أصول المناورة لأن مناورة الإجماع تمثيلية  تافهة ومفضوحة .

ولا مرة في التاريخ أمكن لحزب أن يدعي تمثيل الأمة ( إلا في أنظمة الاستبداد). حتى الاتحاد السوفياتي في ذروته لم يكن الحزب الشيوعي فيه يمثل أكثر من 10-15 بالمئة من السكان. يعني ذلك أن القوى السياسية الحاكمة في لبنان على ضفتي آذار ليست كل الشعب اللبناني، هذا فضلا عن أن قوانين الانتخاب المعتمدة منذ الطائف كانت تزوّر الإرادة الشعبية وتعين النواب تعيينا ، أو على الأقل تستبدل منطق الدولة بمنطق التحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي ، وتلغي الرأي العام وتؤجج مشاعر الكراهية بين الجماعات الطائفية والمذهبية ، وبالتالي فإن نواب الأمة ليس فقط لا يمثلون الأمة ولا الشعب بل هم يخربون بتمثيلهم المزوّر( بكسر الواو وفتحها) وحدة الوطن .

شرطنا الثاني إذن ألا يحتل الآذاريون الحكومة لئلا يطالبوا بالحصول على حصة في الدولة  مقابل الإخلاء (خلوّ)، مثلما جرت العادة وتحولت إلى عرف ، بعد أن صار الوزراء يتصرفون كأنهم مالكو وزاراتهم ، وألا يكون تمثيلهم فيها بقدر أحجامهم النيابية أو العسكرية ، بل بحجم ما تتطلبه موجبات إعادة بناء الوطن والدولة.

قد يقولون من أنتم لتفرضوا شروطا؟؟؟؟

 إن لم نكن نحن نمثل أغلبية بحسب قوانين الانتخاب الحالية ، فنحن الأغلبية الحقيقية في صفوف الشعب ، الحريصون على أن يكون الوطن وطنا للجميع ، وعلى تخليص الدولة من أثقالها الميليشيوية ، الراغبون  ببناء وطن سيد حر مستقل ، الصادقون بانتمائنا له  دون سواه وقبل سواه ، العاملون من أجله لا من أجل سواه ، الساعون إلى بناء دولة مدنية يحكمها القانون ويتساوى فيها المواطنون تحت سقفه . نحن اللبنانيون أولا الذين لا يقبلون أن يكون الانتماء إلى العروبة أو الاسلام أو المسيحية بديلا عن لبنانيتهم ولا رديفا لها . ولا يرفعون علما غير علم الوطن ولا ينشدون غير النشيد الوطني. الذين يدفعون الضرائب وتسرقونها. الذين لا يدفعون خصوماتهم والاختلاف بالرأي إلى مصاف العداوات ، ولا يحوّلون السجالات إلى حروب كحرب داحس والغبراء ،ولا يجرجرون الوطن والجيش والشعب خلف أحلاف ومصالح خارجية . الذين يريدون لبنان وطنا لا ساحة ، وطنا نهائيا لأبنائه لا تنازعهم عليه لا دول ولا أحزاب ولا محاور اقليمية أو دولية . الذين يريدونه وطنا علمانيا ودولة مدنية ، هي دولة القانون والمؤسسات والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .

نحن الأكثرية الحقيقية التي تمثل المجتمع المدني ومؤسساته ونشطاءه وكفاءاته ، وأنتم الذين  تغتصبون  تمثيلها بقوانين الانتخاب العوجاء والمشوهة وبشحن النفوس بأسلحة دمار شامل أكثر فتكا من البارود والديناميت ، أسلحة الشحن المذهبي والتشرذم الطائفي … نحن الذين يحق لنا أن نضع شرطا واحدا لتشكيل الحكومة، يلزمكم بألا يدخل إليها فاسد ومفسد أو متهم بسرقة المال العام، وأن تطلق يد الرئيسين في تشكيلها من ممثلين حقيقيين لمصالح الشعب ولمستقبل الوطن ، حكومة لا تستبعد أحدا ولا يستأثر بها أو يحتكرها حزب أو تحالف أحزاب ، حكومة تمثل اللبنانيين    الحريصين على إعادة بناء الوطن والدولة بغير منطق المحاصصة ، بل على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص، اللبنانيين الذين لا يفرضون شروطا على أحد،  لكنهم لا يقبلون أن تفرض عليهم  شروط من  أحد.