محمد علي مقلد 6-1-2014
يذكر أمين معلوف في كتابه عن ” الحروب الصليبية كما رآها العرب ” أن تسعة أعشار الذين حكموا الولايات العثمانية في بلاد الشام في القرنين الأول والثاني بعد الألف للميلاد ماتوا قتلا ، وأن من لم يمت قتلا منهم تعرض للقتل قبل موته الطبيعي، ومن بينهم صلاح الدين الأيوبي .
وفي التاريخ العربي القديم يذكر أن عددا كبيرا من الحكام ، من بينهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلا ، وفي التاريخ الحديث شهد عصر الانقلابات العسكرية من الحالات ما لم يسلم من الموت فيها سحلا أو بالسم أو بالرصاص أو بأية وسيلة مبتكرة إلا القليلون .
يتفرع عن هذا التاريخ سياق آخر للقتل في لبنان ، ذهب ضحيته كل من حمل لهذا الكيان الجغرافي مشروعا ورسم له حلما . بدءا بفخر الدين المعني والأمير بشير الشهابي ، اللذين كانت حدود الكيان اللبناني الجغرافية أو السياسية تفيض عن طاقة تلك المرحلة وحكامها على التحمل ، وانتهاء بكثيرين قضوا ما بعد قيام لبنان الكبير
في كتابه عن ” الصراع على تاريخ لبنان ” يبدأ أحمد بيضون كلامه بأنطون سعادة الذي رغب في أن يكتب التاريخ السياسي للبنان بلغة الجغرافيا والحدود الطبيعية، فتعارض صاحب نظرية “قومية الأرض ” ، ” الكبير الرؤيا” ، مع من رسم للبنان حدودا أخرى ، وحكم عليه بالاعدام بسبب هذا التعارض بين المشاريع المتخيلة .
وفي كتاب آخر للكاتب نفسه عن ” رياض الصلح ” تبدو صورة أول رئيس لحكومة لبنان المستقل كبيرة الشبه مع صورة رفيق الحريري الذي خلفه في الرئاسة بعد حوالي خمسين عاما . كلاهما ، من موقع الانتماء القومي إلى الأمة العربية ، حمل هم بناء لبنان ، وكلاهما دفع حياته ثمنا لمشروع استقلالي ، الأول حين راح يرسم حدود الوطن الجغرافية مع هذه الأمة، والثاني حدوده السياسية . بين رئيسي الحكومة الشهيدين تعرض أصحاب رؤيا آخرون للمصير ذاته .
الرئيس بشير الجميل اغتيل لأنه حلم بمشروع لقيام وطن سيد على حدوده وداخل حدوده . والرئيس رينيه معوض اغتيل لأنه كان يريد أن يعيد للدولة المنهارة وللقانون سيادتهما المهدورة.
خارج نادي الرؤساء ، وفي نادي أصحاب الرؤى ، اغتيل كمال جنبلاط لأنه حلم بإقامة نظام ديمقراطي عصري، وعمل على تحقيق مشروعه فقاد حركة وطنية لبنانية ذات بعد قومي. وكذلك اغتيل شريكه في الحلم وفي الحركة الوطنية جورج حاوي ، الذي أضاف ،كما سلفه في الشهادة وفي الحزب فرج الله الحلو، إلى حمولة المشروع الجنبلاطي حلماً بإقامة حكم وطني ديمقراطي يفسح في المجال أمام قيام الاشتراكية .واللائحة طويلة من الذين اغتيلوا ، صحافيين ومفكرين ورجال دين وأصحاب رؤى : رياض طه ، سليم اللوزي ، كامل مروة ، حسين مروة ، الشيخ صبحي الصالح ، مهدي عامل ، سمير قصير ، الخ ، الخ .
داخل هذه اللوحة لا بد من ملاحظة واستنتاج :
الملاحظة هي أن الناجين من الموت هم الذين لم يصطدم مشروع أي منهم للحكم بأطماع القوى الخارجية ، واقتصرت مشاريعهم على إدارة شؤون البلاد وحمايتها من تلك الأطماع بالسياسة والدبلوماسية ، وأن مصير من ماتوا دفاعا عن حدود جغرافية أو سياسية للكيان اللبناني كان يتقرر خارج هذه الحدود ، في دولة الباب العالي قبل الاستقلال ، أو لدى أجهزة المخابرات الصديقة والشقيقة بعد الاستقلال .
أما الاستنتاج فهو أن لبنان القديم ، المؤلف من الجبلين الدرزي و الماروني ، والذي شغل الدنيا وشغل السلطنة بسبب انفتاحه على الغرب ، هو الذي ظل صامدا وهي التي انهارت ؛ وأن لبنان الحديث ، لبنان سايكس بيكو الذي أقلق وجوده بال أنظمة الاستبداد القريبة والبعيدة ، ففيه، على ما يبدو، من مقومات الصمود والبقاء والاستمرار، ما يقوى على هزيمة الراغبين بتبديد استقلاله وتدمير كيانه وانتهاك سيادته على حدوده أو داخل حدوده .
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام