25-3-2016
أخطر ما في مقابلة الأمين العام لحزب الله تهديده بقصف المفاعلات النووية الاسرائيلية في ديمونا. إن كان يعرف خطورة الكلام فهي مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أكبر بكثير.
في ظنه أنه أطلق ذلك التهديد من قبيل التهويل والمناورة والردع ، استباقاً لأية مغامرة صهيونية ضد حزب الله أو ضد البيئة الحاضنة جغرافياً في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، أو الحاضنة سياسياً وعسكرياً والمتمثلة “بالشعب والجيش والمقاومة” في لبنان.
وفي يقيننا أن حزب الله لن يفعل ذلك ولا هو قادر عليه، ولا إسرائيل يمكن أن تصدق ذلك أو أن تنطلي عليها الألعاب الكلامية النووية هذه، لأن الخطر يكمن في مكان آخر.
خطر لأنه يضمر المزيد من التورط في الحرب السورية وليس الانسحاب منها. وهو لا يخفي قصده الهادف إلى تعبئة المزيد من المقاتلين دفاعاً عن سياسة ولاية الفقيه وعن نظام الاستبداد السوري، بديلاً من تسريح ميليشياته المقاتلة وتحويلها إلى كتلة سياسية تتفاعل مع مجتمعها اللبناني. ولأنه يفضي، عن غير قصد، إلى خفض منسوب الوعي السياسي في صفوف الأتباع والمناصرين وخفض مستوى الثقافة والعلم والمعرفة، وتوسيع دائرة التعصب والشوفينية المذهبية.
أثبتت حرب العراق الأولى وجود أسلحة الدمار، ليست نووية فحسب. تمهيداً لغزوها الأول، أشاعت الولايات المتحدة الأميركية خبراً عن أسلحة الدمار الشامل وجعلت منه ذريعة ومبرراً، وأثبت الخبراء، بعد ذلك، كذب الادعاءات وخلو العراق من السلاح النووي، لكنهم لم ينتبهوا إلى نوعية أخرى من أسلحة الدمار الشامل تمثلت بنظام الاستبداد والاسلحة الكيماوية والاعدام من غير محاكمة والاغتيال في وضح النهار، وغير ذلك من سياسات القهر والظلم التي شتّتت شمل الشعب العراقي في أصقاع الأرض، تماماً كما يفعل نظام الاستبداد السوري بشعبه اليوم.
التهديد بضرب المفاعلات النووية الاسرائيلية له مفعول نووي هو الآخر في وعي المتحمسين. ربما تعرف قيادة حزب الله، أو بعضها على الأقل، أن التهديد ليس سوى مناورة، وتعرف أن ذلك لا يعدو كونه لعبة كلامية، لكن الألعاب الكلامية النووية لا تشبه الألعاب النارية الاحتفالية. وتعرف أن مالكي السلاح النووي الحقيقي استخدموه مرة واحدة في الحرب العالمية وندموا، وأن وظيفة الرؤوس المكدسة اليوم تنحصر في تأمين توازن الرعب بين المتخاصمين، وتعرف كم كلف التسرب النووي في تشيرنوبل في أوكرانيا، وتعرف أن أحداً من الجبارين لم يجرؤ على استخدامه خلال أزمة حصار كوبا حيث المواجهة النووية لم تكن تحتاج لأكثر من كبسة زر، لأكثر من كلمة\ شرارة على فوهة مدفع.
وتعرف قيادة حزب الله أن أي خطأ نووي في ديمونا قد يكون كافياً للقضاء على دولة اسرائيل، لكنه كاف أيضاً كذريعة إسرائيلية لاستخدامه، حينئذ، عليها وعلى أعدائها المنتشرين حولها، وأقربهم إليها في الجغرافيا جنوب لبنان. فما هي الجدوى إذن من إطلاق التصريح النووي هذا، وماذا يستتبع ذلك من تداعيات إذا كانت القيادة تعرف كل ذلك؟
استدرجت المقابلة سيلاً من الحبر والكلام في نقد المبالغات وتفنيد التناقضات وتشريح مكامن الخلل وعدم التماسك في المواقف، وكذلك كان يحصل كلما أطل الأمين العام في وسيلة اعلامية أو على منبر خطابي. وإن كنا لا نوافق على أسلوب التهجم والتطاول والنيل من هيبته كرجل دين ولا من تاريخ المقاومة وتضحياتها المشرفة، إلا أننا لا نغفل، ونأمل من قيادة حزب الله ألا تغفل، التأثيرات السلبية الكبيرة التي تحدثها تلك التصريحات، بسبب عدم واقعيتها ولأن المبالغات التي تنطوي عليها تتحول في مخيلة المناصرين إلى ضروب مضحكة من الخرافات والأساطير، أو إلى وسائل للشحن المذهبي المنفلت من عقاله.
صحيح أن الرأي العام اللبناني محصن بمستوى رفيع من الوعي السياسي، غير أن كاريزما الأمين العام تفعل فعلها السلبي في وعي المتحمسين من أنصاره، فيستخدمون مواقفه لا للتهويل على العدو بل على الأقربين، ويتحول الكلام “النووي” إلى فائض قوة لدى الأنصار والأتباع والمؤيدين، يوظفونه في عملية ترهيب في الصراع الداخلي، ويستقوون به للخروج على قوانين الدولة وانتهاك سيادتها.
حين يصير الكلام النووي مباحاً وفي متناول المخيلة المذهبية والعقلية الميليشيوية غير الملتزمة بقوانين الدولة، لا يعود مجرد مناورة لغوية، بل يتحول بفعل الشحن المذهبي إلى سلاح دمار شامل.
مقالات ذات صلة
حراك “أبو رخوصة” وحيتان المال
ثقافة الميليشيا
المال الحرام