19 أبريل، 2024

لا ربيع ولا حرب أهلية

محمد علي مقلد                                                                         6-6-2014

رغم كل مظاهر الاحتقان الظاهرة في الوضع اللبناني ، تبقى احتمالات تجدد الحرب الأهلية أمرا مستبعدا . ورغم توافر كل الشروط الموضوعية لانفجار الثورة ، فالربيع اللبناني شبه مستحيل ، والظروف الداخلية والخارجية هي التي تكرر دائما أسباب المراوحة  .

الانقسام عامودي بين اصطفافين آذاريين ، وعملية الشحن المذهبي والسياسي قائمة على قدم وساق. لا تفوت الممانعين مناسبة للتذكير بفصول الحرب الأهلية وتحميل القوات اللبنانية ورئيسها، دون سائر الأطراف الأخرى المشاركة ،  المسؤولية عن كل ما حصل قبل اتفاق الطائف،  ويستعيدون على وجه الخصوص قضية اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي ويستخدمونها مادة دسمة لتعطيل انتخابات رئيس الجمهورية ، ويحملون تيار المستقبل حصراً، وخصوصا الشهيد رفيق الحريري، أو مع حلفائه، المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وعن الدين العام ، والمسؤولية عن تهميش الدور المسيحي في الدولة. ولا تفوتهم سانحة إلا ويشحنون فيها أتباعهم ضد ” عملاء ” الامبريالية والصهيونية والاستعمار ، ويكررون محط كلامهم التخويني ضد خصوم يسمونهم بأسمائهم أو بأسماء أحزابهم أو بضمير الغائب ( هم ) ويتابعون شن الهجوم على المحكمة الدولية وعلى الدور الأميركي والمجتمع الدولي، ويغمزون من قناة المملكة العربية السعودية خصوصا والخليجي عموما ، ويركزون هجومهم رافعين قميص التآمر على المقاومة والتحالف مع أعدائها راية ترفرف على المنابر والشاشات والمهرجانات ؛ الخ ، الخ .

في المقابل ، لا تفوت ” من يحمل نعت السياديين” فرصة إلا ويطالبون بسحب سلاح المقاومة وإدانة كل تحالف مع النظام السوري وبعودة مقاتلي حزب الله من الحرب في سوريا، ويتهمون خصومهم بتخريب الدولة وتعطيل عمل المؤسسات وانتهاك الدستور والقوانين ، ويذهب بعضهم بعيدا حتى الوقوع في العنصرية ضد السوريين من ضحايا نظام الاستبداد البعثي الخ ، الخ .

مع ذلك ، ما أن تشارف المواجهة بين الطرفين على الانفجار، حتى تتدخل عوامل اللجم والفرملة في كل مرة ويتجدد البحث عن تسوية وعن سبيل للتهدئة ، ويتأجل الانفجار .

هذا على صعيد الصراع على السلطة بين جمهورين وكتلتين وجبهتين تتحاصصان البلاد والعباد . أما في الصراع ضد الطبقة السياسية ، فالسلطة واهية كخيط العنكبوت ، فلا هي مهابة ولا هي مطاعة ولا طلباتها مستجابة ، بل هي المتهمة بتعطيل مؤسسات الدولة ، وبالمسؤولية عن الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعن استقالة المجلس النيابي من مسؤولياته ، وعن تهميش السلطة التنفيذية وتبديد صلاحياتها وعرضها بالمزاد في سوق الفلتان السياسي والأمني ، وعن تخريب السلطة القضائية وتحطيم هيبتها وهيبة القانون ، وهي الضالعة في الفساد الإداري والمالي والسياسي بفجور ما بعده فجور ، الخ ، الخ . مع ذلك تبدو هذه السلطة الواهية كأنها قلعة لا تهزها الرياح ، فتجدد لنفسها ، مجلساً نيابياً بالتمديد ، أو بانتخابات دورية تشبه التعيين ، وحكومات يتم اختيارها على صورة مصغرة طبق الأصل عن البرلمان ، فيختلط في ذهن الجمهور حابل السلطة بنابل المعارضة ، ويتم إلغاء النصوص التي تفصل بين السلطات ، وتضيع الحدود الفاصلة بين الخصومة والصداقة ، بين المواجهة والتحالف، ولا يعود للصراع السياسي من معنى غير المماحكات التافهة والمبارزات الاعلامية والكلامية الخارجة عن كل الأصول الأخلاقية   .

في مواجهة هذه السلطة الواهية مظاهرات وحركات احتجاج جماهيرية ، وعلمانيون بعشرات الآلاف يطالبون بإصلاح النظام السياسي ، وموظفون بعشرات الآلاف يرفعون لائحة مطالبهم ولا يغادرون ساحات الاعتصام ويهددو بالعصيان المدني . من يراقب تلك المشاهد يستغرب كيف يمكن أن تصمد السلطة أمام هذه الحشود المعترضة . مع ذلك ، السلطة هي هي ولا تهزها الرياح .

سببان يفسران استحالة الحرب الأهلية وصعوبة التغيير من خلال  تجديد السلطة السياسية ، الأول هو أن المحتشدين نهارا في وجهها يعودون ليلا إلى اصطفافاتهم المذهبية والحزبية والطائفية ، وينقسمون ، حين يدق نفير أحزابهم الطائفية ، بين من يهلل للنظام السوري ويبتهج لفوز الأسد بولاية ثالثة ويشتم الخليج والديمقراطية الأميركية والمال الحرام ، ومن يهلل للربيع العربي ولفوز السيسي ويدين التدخل الشيعي الإيراني العراقي الحزباللهي في سوريا .أما السبب الثاني ، وهو الأهم ، فهو أن برامج المعترضين والمتظاهرين والمعتصمين تقتصر على مطالب مجتزأة وموضعية وآنية ، قد تكون محقة وصحيحة لكنها لا ليست كافية لتجميع المتضررين من فساد السلطة ، وإن نجحت في تجميعهم فهي غير قادرة على أن تشكل منهم قوة ضغط كافية للقيام بعملية إصلاح حقيقية للنظام السياسي في لبنان .

الحرب الأهلية أمر غير ممكن ، والربيع الاصلاحي ممنوع . هل تبقى أزمة لبنان مجمدة في ثلاجة الحلول المؤجلة ومعلقة حتى نهايات الربيع العربي ؟ إن الموازين الخارجية هي التي تحول دون تجدد الحرب الأهلية في لبنان، لكنها هي ذاتها التي تحول دون تبلور الكتلة التاريخية التي من دونها يبقى الاصلاح السياسي مستحيلا .

إن القوى صاحبة المصلحة بالتغيير كبيرة جدا ، لكنها لا تعبر عن نفسها ولا تعكس حجمها الحقيقي بسبب تشتتها بين الطوائف والمناطق ، وهي مدعوة لتجميع صفوفها بعيدا عن الاصطفافات الداخلية وكذلك عن الولاءات الخارجية . بهذا فقط يبقى الأمل معقودا عليها لإنقاذ الوطن والدولة .