25 أبريل، 2024

انتخابات للتخدير

محمد علي مقلد                                                                         23-5-2014

في الديمقراطيات الحقيقية تعتبر صناديق الاقتراع محلا مناسبا للمبارزات السلمية ، ومساحة كافية للتعبير عن الرأي والمحاسبة . أما في لبنان فهي أداة من أدوات التهديد أو التهويل ، أو على الأقل التخدير ، لأن أصوات الناخبين ليست هي التي تحدد النتائج . يصح هذا على الانتخابات البرلمانية كما على الرئاسية . يعني ذلك أن اختيار نواب الأمة كما الرئيس يتقرر في أروقة أخرى، فيما المقترعون مقتنعون ، أو بالأحرى واهمون ، بأنهم هم أصحاب القرار والاختيار.

من يتابع شؤون الرئاسة اللبنانية يتخيل نفسه أمام مشهد ساخن ومعركة حامية ، وتصريحات النواب توهم باحتدام الصراع وضراوته حول الرئاسة ، وبأن حدة التصريحات والمواقف والرحلات الفضائية والمشاورات ما وراء البحار ستفضي إلى اختيار رئيس للجمهورية ، فيما الحقيقة أن كل ذلك ليس سوى ذر رماد في عيون مواطنين ” مغشوشين ” بقدرة زعمائهم على إخراج الوطن من الأزمة . بل إن كل هذا الضجيج ليس سوى مناورة لتمويه عجز مزدوج يعاني منه لبنان ، عجز مجلس نيابي يتظاهر بأنه سيد نفسه ، فيما هو ينتظر الاختيار الذي سيملى عليه من الخارج ، وعجز عن تجديد آليات الحكم لأن القوى السياسية بارعة في تمديد ولايتها ، مرة بعد مرة ، وفي تأبيد  استبدادها ، بالتخدير الديمقراطي مزيناً بالشحن الطائفي .

تورط اللبنانيون في استدراج الخارج والانتصار به على خصم داخلي ، وتحول ذلك إلى متاهة عجزوا بعدها ،حتى لو توفرت النوايا الصادقة ،  عن الخروج منها ، وغدا التدخل الخارجي نعمة قياسا على نقمة قرارهم الحر ومثابرتهم ، لو تركوا على هواهم ، على التحضير الدائم للحرب الأهلية ولتجديد الأزمة بتجديد مسبباتها.

إذ ما معنى أن ينحصر الترشيح ( الافتراضي ) لرئاسة الجمهورية برموز الحرب الأهلية ، وأن تصر القوى المتعصبة مسيحيا على أن الرئاسة موقع يخص المسيحيين ، وأن تصر البطريركية على رسم خارطة طريق طائفية للرئاسة ؟ إذا كانت ” البروفة ” الانتخابية هي لاستبعاد المرشحين المعلنين أو المفترضين لا لانتخاب أحدهم فهذه طريقة عبقرية لتفادي الأسوأ ولاختيار الأصلح والأفضل لمستقبل الوطن ، غير أن سياق المعارك السياسية على الرئاسة وعلى سواها يشير إلى عكس ذلك تماما .

النقد لا يعني انتقاصا من القيمة الشخصية لأي مرشح ، بل هو يشير إلى الدلالة غير الديمقراطية لآليات الترشيح . إذ إن السؤال الذي يطرح نفسه هو عما إذا كانت انتخابات الرئاسة مناسبة لاستحضار الحرب وأسبابها ورموزها ، أم أنها فرصة للخروج منها بحثا عن سلام دائم ومستقبل آمن للوطن ؟ أما السؤال الثاني ، فهو عن حجم التشويه الذي يصيب النظام الديمقراطي بفعل استمرار الوراثة في النظام السياسي وفي الأحزاب على السواء .  

الصحافي جوناثان راندال ذكر في كتاب له عن الحرب الأهلية اللبانية، إن صورة تذكارية لمجلس الوزراء (في السبعينيات ) تشير بوضوح إلى استمرار العائلات ذاتها ، بل الوجوه ذاتها أحيانا ، في كل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال . وما صح على فترة الحرب الأهلية ، صح ايضا على ما بعد الطائف ، إذ إن القوى التي تعاقبت على إدارة شؤون البلاد عجزت عن إيجاد حلول لأزمة الوطن في ظل نظام الوصاية ، ثم كانت سببا في تفاقمها بعد خروج الجيش السوري ، ومع ذلك ، فهي مصرة على التجديد لنفسها بالتعيين أو بالوراثة ، ولو بديكور من الديمقراطية المزيفة .

هذا هو بالضبط معنى أن تلعب الانتخابات في لبنان دورا تخديريا ، ( الانتخابات أفيون اللبنانيين) لأنها ، بدل أن تكون سبيلا إلى التعبير الحر عن إرادة المواطنين في اختيار برلمانهم و عن إرادة نواب الأمة في اختيار رئيس الجمهورية ، تثير ضجيجا ، وتحدث  ” قرقعة بلا طحين ” ، وتطاحنا بين قوى تتظاهر بأنها متنافسة ، فيما هي في الحقيقة  متناغمة ، ومتواطئة  على تضليل الرأي العام لضمان الانقسامات والاصطفافات التي تناسب تجديد ولايتها.

تحرير الإرادة الشعبية من هذا التضليل يحتاج إلى ربيع لا يكون شعاره تغيير النظام ، بل تطبيق القانون واحترام الدستور . شيء واحد يحتاج إلى تغيير فوري للبدء بعملية الاصلاح المنشودة هو قانون الانتخاب الحالي الذي يعطل الإرادة الشعبية ويحدد نتائج الانتخابات قبل حصولها . فهل سيكون الربيع اللبناني قادرا على الاستفادة من تجربة الديمقراطية اللبنانية فيتفادى عيوب الربيع العربي؟